للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- جـ -

وسلّمتُ عليه، وكلَّمتُه برفقٍ بأنَّ الإسلامَ لا يدعو إلى الجوع، ولا يُرَغِّبُ فيه، بل إن رسولَ الله قد استعاذ منه، وأوردتُ له الحديثَ الذي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان (١٠٢٩) من حديث أبي هريرة بسند قويٍ، قال: كانَ رسولُ الله يقولُ: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك مِن الجوع، فإنَّه بئسَ الضجيعُ"، وذكرتُ له أن النبيَّ كان يستعيذُ بالله مِن الكُفْرِ والفَقْرِ، وعذابِ القبر، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد (٢٠٣٨١)، وصححه ابن حبان (١٠٢٨)، وقلتُ له: إن الأحاديثَ التي أَوْرَدْتَها في خُطبتك لا تَصِحُّ، وبعضُها موضوعٌ، والحديثُ الصحيحُ الذي أوردتَه منها أَفْسَدْتَه بإضافة زيادة ليست منه، وأخرجتَه عن المعنى الذي وَرَدَ من أجله، فالحديثُ أخرجه البخاري (٢٠٣٥) و (٢٠٣٧)، ومسلم (٢١٧٤) و (٢١٧٥) دُون قوله: "فضيَّقوا مجاريه بالجوع"، وأوردتُ له الحديثَ بتمامه وهو أن صَفِيَّةَ زوجَ النبيِّ أتتِ النبيَّ ليلًا تزورُهُ في مُعْتَكفِهِ، فلما قامَتْ تَنْصَرِفُ، قام مَعَها يَقْلِبُها (أي: يَرْجِعُها ذاهبًا معها) فمرَّ عليه رجلانِ مِنَ الأنصارِ، فَسَلَّما على رسولِ الله ، فقال النبيُّ : "على رِسْلِكُمَا، إنما هي صَفِيَّةُ بنتُ حُيَيّ"، فقالا: سُبْحانَ اللهِ يا رسولَ الله، قال: "إنَّ الشيطانَ يَجْرِي مِن الإِنْسانِ مَجْرى الدَّمِ، وإني خشيتُ أن يُلقيَ في أَنْفُسِكُما شيئًا"، فقال لي: أنا نقلتُه مِن كتاب "إحياءِ علوم الدين" للغزالي هكذا، فقلتُ له: لا عُذْرَ لك في ذلك، فإنَّ أهلَ العلم يجزِمون أن الإمامَ الغزالي بضَاعَتُهُ في الحَدِيثِ مُزْجاةٌ كما صَرَّح هو بذلك، والحافِظُ العراقي الذي تولى تخريجَ أحاديثِ الإحياء قد قال: متفق عليه دون قوله: "فضيَّقوا مجاريه بالجوع"، فكان جوابه: هَل الحافظُ العراقي أعلمُ مِن الغزالي؟! ثم ازورَّ عني، ومضى لسبيله.

وبقيت هذه الظاهرة زمنًا ليس بالقصير، وفي أثناءِ دِراستي على الشيوخ كنتُ دائمًا أفكّر في المسائل الخلافية القائمةِ بَيْنَ الحنفية والشافعية فأدرسها

<<  <  ج: ص:  >  >>