للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الفراء (ت:٢٠٧) في قوله تعالى: {لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: ٦٨]: «والعوان ليست بنعتٍ للبِكرِ؛ لأنها ليست بِهَرِمَةٍ ولا شابَّةٍ. انقطع الكلام ثمَّ استأنف، فقال: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} والعوانُ يقال منه: قد عَوَّنت، والفارض: قد فَرَضت. وبعضهم: قد فَرُضت.

وأما البِكْرُ فلم نسمع فيها بفعلٍ.

والبِكْرُ بكَسرِ أوَّلها إذا كانت بِكْراً من النساءِ، والبَكْرُ ـ مفتوحٌ أوُّلُهُ ـ من بِكَارَةِ الإبل» (١).

ثانياً: كثرة المباحث النحوية:

كان النَّحوُ وَعِلَلُهُ بارزاً في كتب المعاني، وقد كان أحدَ مقاصدِ التأليفِ في كتب المعاني دون كتب الغريب، وهذا مما لا تجده عند السلف، ومن الأمثلة على ذلك:

قال الفرَّاء (ت:٢٠٧) «وقوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: ٥٨] يقول: نقضَ عهدٍ. {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} بالنقض {عَلَى سَوَاءٍ} يقول: افعل كما يفعلون سواءً. ويقال في قوله: {عَلَى سَوَاءٍ}: جَهْراً غيرَ سِرٍّ.

وقوله: {تَخَافَنَّ} في موضع جزمٍ، ولا تكاد العرب تدخلُ النون الشديدة ولا الخفيفة في الجزاء حتى يصلوها بـ «ما»، فإذا وصلوها، آثروا التنوين، وذلك أنهم جعلوا لـ «إمَّا» وهي جزاء شبيهاً بإمَّا من التخيير، فأحدثوا التنوين ليعلم به تفرقة بينهما، ثمَّ جعلوا أكثر جوابها بالفاء؛ كذلك جاء التنزيل، قال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ} [الأنفال: ٥٧]، {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}، ثمَّ قال: {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: ٧٧]، فاختيرت الفاء لأنهم إذا نوَّنوا في إمَّا جعلوها صدراً للكلام، ولا يكادون يؤخرونها.

ليس من كلامهم: اضربه إمَّا يقومن، إنما كلامهم أن يقدموها، فلما


(١) معاني القرآن، للفراء، تحقيق: محمد علي النجار وأحمد نجاتي (١:٤٤ - ٤٥).

<<  <   >  >>