للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتماد العقلِ المجرَّدِ في التَّصدِّي للزَّندقةِ:

من الملاحظِ من خلالِ تراجمِ الكتبِ أو المؤلفاتِ أنَّ بعض المعتزلةِ قد تصدّوا لهذا الانحرافِ المتزندقِ، لكنَّهم ناقشوه بعقلٍ مجردٍ غير معتمد على الشَّرعِ، أو بعقلٍ متأثرٍ بآراءٍ فلسفيَّةٍ، فأوقعَهم ذلك في مخالفاتٍ نَتَجَ عنها اعتقاداتٌ باطلةُ، وقد كان ذلك بسببِ بعضِ الإلزاماتِ التي كانتْ نتيجةً لهذه المناقشاتِ التي لا يوجد فيها مرجعٌ يُحتَكم إليه في النِّزاعِ سوى العقلِ المُجَرَّدِ (١).

والعقلُ يختلفُ باختلافِ الثقافاتِ التي كوَّنته، لذا، فليسَ من الغريب أنْ تنشأ انحرافاتٌ عندَ المعتزلةِ بسبب الإلزاماتِ التي كانتْ تصدرُ عن النِّقاشاتِ الجدليَّةِ بين المتزندقةِ والمعتزلةِ، أو بين معتزليٍّ ومعتزليٍّ آخر، فتنشأُ لهم بسببِ تلكَ الإلزاماتِ عقيدةٌ يعتقدونَها ويدافعونَ عنها.

والمعتزلةُ من أوَّلِ الفرقِ التي أعطتِ العقلَ المجرَّدَ حريَّةَ التَّسلُّطِ على النُّصوصِ، فلم يجعلوها من الثَّوابتِ التي يقيسونَ عليها.

لذا لا تجدُ لهم اتفاقاً في المسائلِ، وإن زعموا الاتفاقَ على الأصول الخمسةِ، إذ هم في فروعها ومباحثها فرقٌ شتَّى. وهم وإن كان بينهم ثباتٌ


= * أبو بكر محمد بن إبراهيم الزبيري، ردَّ على ابن الراوندي، ينظر: المنية والأمل (ص:٧٦).
* وممن نقض على ابن الراوندي بعض كتبه: أبو علي الجبائي، وأبو الحسين الخياط، وأبو هاشم الجبائي، وأبو بكر الزبيري، ينظر: المنية والأمل (ص:٧٨).
(١) من أمثلة هذه المجادلات التي أفرزت معتقدات باطلة، مجادلة الجهم بن صفوان للسُّمَّنيَّةِ الذين لا يؤمنون إلاَّ بالمحسوسِ، قال أبو قدامة السرخسي: «سمعت خلف بن سليمان البلخي يقول: كان جهم من أهل الكوفة، وكان فصيحاً، لم يكن عنده علم، فلقيه ناس من السُّمَّنِيَّةِ فكلَّموه، فقالوا: صف لنا من تعبد. قال: فأجِّلوني، فأجَّلوه. فخرج إليهم، قال: هو هذا الهواء مع كلِّ شيءٍ، وفي كلِّ شيءٍ». ينظر: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (٣:٣٨٠).

<<  <   >  >>