للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجرميُّ (ت:٢٢٥) ينتقدُ أبا عبيدة (ت:٢١٠) بأنَّه قد خالفَ المفسِّرينَ في كتابِه هذا، ويردُّ عليه بهذا الرَّدِّ الذي يدلُّ على الاعتدادِ بالنَّفسِ، وكأنَّه لا يَعني له هذا الانتقادُ شيئاً.

وهذا المنهجُ اللُّغويُّ الذي سلكَه أبو عبيدة (ت:٢١٠)، أوقعَهُ في بعضِ التَّفسيراتِ التي لا تَصِحُّ، كما أوقعه في ردِّ بعضِ الواردِ عن السَّلفِ، وكأنه لا يحتجُّ بتفسيرِهم في نقلِ اللُّغةِ (١)، ولقد كانَ بسببِ هذه التَّفسيراتِ عُرْضةً للنَّقدِ.

* ومنَ الأمثلةِ التي انتُقِدَت عليه من جهةِ اللُّغةِ:

١ - قوله: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠] بعض يكونُ شيئاً منَ الشيء، ويكونُ كلَّ الشيءِ، قالَ لبيدُ بن ربيعة (٢):

تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إَذَا لَمْ أَرْضَهَا

أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا

فلا يكونُ الحِمامُ ينْزلُ ببعضِ النفوسِ، فيُذهِبُ البعضَ، ولكنه يأتي على الجميعِ» (٣).

وهذا الذي قاله في معنى «بعض» قد انتُقِد عليه (٤)، قال أبو جعفر النحاس (ت:٣٣٨): «وهذا القولُ غلطٌ عند أهل النَّظرِ منْ أهلِ اللُّغةِ؛ لأنَّ


(١) وازن هذا بما قد سبقَ نقله عنه، قال: «... فلم يحتجِ السلفُ ولا الذين أدركوا وحيَه إلى النَّبيِّ أن يسألوا عن معانيه؛ لأنهم كانوا عربَ الألسنِ، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص». مجاز القرآن (١:٨)، فمن كان هذا حالهم، لِمَ يعترض على بيانهم اللُّغويِّ للقرآنِ؟!
(٢) البيت في ديوانه، شرح الطوسي، تحقيق: حنا نصر (ص:٢٢٧). وفيه: يرتبط، بدلَ يعتلق. ومعنى الحُمَام: الموت.
(٣) مجاز القرآن (١:٩٤).
(٤) ينظر في نقده: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (١:٤١٥)، مفردات ألفاظ القرآن، للراغب (ص:١٣٤)، غرائب التفسير، للكرماني (١:٢٥٧)، المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ١٣٤).

<<  <   >  >>