للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا كَونُه قَصَدَ بيانَ عربيَّةِ القرآنِ، فإنه ظاهرٌ عندَ أدنى تَأَمُّلٍ في كتابِه، وسأذكرُ بعضَ صور التَّفسيرِ اللُّغويِّ الواردةِ في كتابِ مجازِ القرآنِ:

أولاً: بَيَانُ المُفْرَدَاتِ وَشَوَاهِدُهَا:

يظهرُ من موازنة كتاب (مجازِ القرآن) بغيره من كتب المعاني والغريبِ أنه أكثرُها استدلالاً بالشِّعرِ في معاني القرآنِ، وهذا ظاهرٌ لمن ينظرُ إلى ترقيمِ محقِّقِ كتاب المجازِ، حيثُ بلغتْ بتعدادِه اثنين وخمسينَ وتسعِمائةِ شاهدٍ (١).

ومن أمثلةِ تفسيرِه بالشَّاهد الشِّعريِّ:


= الفضلُ ذلك، واستحسنه السائلُ، وعزمتُ من ذلك اليومِ أن أضع كتاباً في القرآن في مثلِ هذا وأشباهه، وما يحتاجُ إليه من علمٍ، فلمَّا رجعتُ إلى البصرةِ عمِلتُ كتابي الذي سَمَّيتُه المجازَ». معجم الأدباء (١٩:١٥٨ - ١٥٩).
وهذه القصةُ ـ فيما يبدو ـ غيرُ صحيحةٍ، ويدلُّ على ذلك أمرانِ:
الأول: أنَّ أبا عبيدة لم يذكر هذه القصَّة في مقدمة كتابه، كما هي عادةُ المؤلفينَ في ذكرِ السببِ الداعي إلى تأليف الكتابِ.
الثاني: أنَّ أبا عبيدةَ لم يتعرَّض لتفسيرِ هذه الآيةِ في موضعها ـ ينظر: (٢:١٧٠) ـ، وكيفَ يغفِلها وهي سبب تأليف هذا الكتاب؟!
وهو لم يتعرض لتفسيرِها في غيرِ هذه المواطن، وقد تتبعت ألفاظَ الآيةِ، فلم أجده فسَّر لفظة «طلع»، ولا «رؤوس»، أما لفظُ «الشياطينُ»، ففسرها بقوله: «كلُّ عات متمرِّدٍ من الجنِّ والإنسِ والدوابِّ، فهو شيطان». مجاز القرآن (٢:٣٢). وهذا كلُّه يدلُّ على ضعفِ هذه الروايةِ، واللهُ أعلم.
وبمناسبةِ هذه الروايةِ، فإنَّ الاستفادةَ من كتبِ التراجمِ، فيما تذكره من أخبارٍ يحتاجُ إلى منهجٍ يُبِّصرُ الباحث فيه؛ لأنَّ بعضَ الباحثينَ يأخذُ هذه الرواياتِ مسلَّمةً، وقد يبني عليها أحكاماً، واللهُ المستعانُ.
(١) بلغت شواهد أبي عبيدة (٩٥٢) شاهداً، تبعاً لترقيم الدكتور فؤاد سزكين، مع ملاحظة أنه أدخل الشواهد التي وجدها في حواشي النسخ التي اعتمدها، خاصة حاشية النسخة (S) التي امتازت بكثرة الشواهد من بين النسخ المعتمدة، وهي إضافات من غير أبي عبيدة.

<<  <   >  >>