للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثرُ المعتقدِ على التَّفسير اللُّغويِّ عند الأخفشِ:

لقد كان الأخفشُ (ت:٢١٥) ينسب إلى القولِ بالقَدَرِ، وهو مذهب المعتزلة، قال تلميذه المازنيُ (ت:٢٤٨) (١): «وكان الأخفشُ أعلمَ الناسِ بالكلامِ، وأحذقَهم بالجدلِ، وكانَ غلامَ أبي شِمْرٍ (٢) وعلى مذهبِهِ» (٣).

وهذا المعتقدُ الذي نُسِبَ إليه كانَ ظاهراً في كتابِه في عدَّةِ مواضعَ (٤)، وقد كانَ له أثرٌ على التَّفسيرِ اللُّغويِّ عندَه.

ومن الأمثلةِ التي ظهرَ فيها أثرُ الاعتزالِ عليه في دلالةِ اللفظِ:

١ - في قوله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣]، قال: «يعني ـ والله أعلم ـ بالنظرِ إلى اللهِ: إلى ما يأتيهم منْ نِعَمِهِ ورزقِهِ، وقد تقولُ: واللهِ ما أنظرُ إلا إلى اللهِ وإليك؛ أي: أنتظرُ ما عندَ اللهِ، وما عندك» (٥).

إن الأخفش (ت:٢١٥) حَرَّفَ في معنى (نظر إلى) التي لا تكون إلا بالعينِ إلى معنى الانتظارِ، وسببُ ذلكَ اعتقادُه بأنَّ الباريَ لا يُرَى، وقدْ صَرَّحَ بهذا في موضعٍ آخرَ، فقال: «وقولُه: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣]،


(١) بكر بن محمد بن بقية، أبو عثمان المازني، النحوي، البصري، روى عن: أبي عبيدة والأصمعي والأخفش، وهو أستاذ المبرد، توفي سنة (٢٤٨)، وقيل غيرها.
والمازني كان على حِذق بالكلام، كما قال عنه المبرد: «كان إذا ناظر أهل الكلام، لم يستعن بشيء من النحو، وإذا ناظر أهل النحو، لم يستعن بشيء من الكلام». ينظر: مراتب النحويين (ص:١٢٦ - ١٢٩)، وإنباه الرواة (١:٢٨١ - ٢٩١).
(٢) أبو شِمْر، أحد أئمة القدرية المرجئة، قال عنه الجاحظ: «كان شيخاً وقوراً زميتاً ركيناً». البيان والتبيين (١:٩١ - ٩٢).
(٣) مراتب النحويين (ص:١١١)، وينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص:٧٤)، وقد ذكر عنه ذلك تلميذه أبو حاتم كما في طبقات النحويين واللغويين (ص:٧٣)، وإنباه الرواة (٢:٣٨).
(٤) ينظر: معاني القرآن (١:٣٦، ٦٢، ٧٠، ١٨٣، ١٩٦، ٢٧٠)، (٢:٤٤٥، ٤٩٧، ٥٣٨).
(٥) معاني القرآن (٢:٥٥٨)، وينظر: (١:٢٢٣، ٣٣٠، ٣٣٦).

<<  <   >  >>