للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونُقِلَ عنْ مُؤَرِّجٍ (ت:١٩٥)، أحدِ علماءِ اللُّغةِ: أنَّه العَسَلُ، واستدلَّ له بقولِ الهُذَلِيِّ (١):

وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْداً لأنْتُمُ ... ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذا مَا نَشُورُهَا

وذكرَ أنَّه كذلكَ بِلُغَةِ كِنَانَةَ (٢)، وسُمِّيَ العسلُ بالسَّلوى؛ لأنه يُسْلَى به (٣).

وكَونُ السلوى في لغةِ العربِ: العَسَلُ، لا يلزمُ منه صحَّةُ حملِه على معنى السَّلْوَى في الآية، قالَ ابنُ الأعرابيِّ (ت:٢٣١): «والسَّلوى: طائرٌ، وهو ـ في غيرِ القرآنِ ـ العَسَلُ» (٤).

وهذا هو الحقُّ. ولو أردتَ أن تحملَ الآيةَ على المعنيينِ، فإنَّ الآيةَ لا تحتملُهما معاً، ولذا يتعيَّنُ حملُها على أحدِهما، ولا شكَّ أنَّ الأولى حملُها على الواردِ عنِ السَّلفِ.

ومنْ هذا المثالِ يتَّضِحُ أنَّ بعضَ المحتملاتِ اللُّغويَّةِ لا يمكنُ أنْ يحتملَها المعنى في الآيةِ، كما سبقَ بيانُه في القاعدةِ السابقةِ، واللهُ أعلمُ.

وبعدَ هذه الأمثلةِ أرجعُ إلى مناقشةِ بعضِ من زعم الاكتفاءَ بلغةِ العربِ في فهم التَّفسيرِ، فأقول: قال أبو حيَّان (ت:٧٤٥): «ومن أحاط بمعرفةِ مدلول الكلمةِ وأحكامِها قبلَ التَّركيبِ، وعَلِمَ كيفيَّةَ تركيبِها في تلكَ اللُّغةِ، وارتقى إلى تمييزِ حُسنِ تركيبها وقُبحِه، فلن يحتاجَ في فَهمِ ما تركَّبَ من تلكَ الألفاظِ


= وزاد ابن أبي حاتم ذِكْرَ الروايةِ عن الضحاك، والحسن، وعكرمة. ينظر تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أحمد الزهراني (ص:١٧٨ - ١٧٩).
(١) البيتُ لخالد بن زهير الهُذلي في قصيدة له في ديوان الهذليين (١:١٥٨).
(٢) ذكره الثعلبي بسنده في تفسيرِه الكشف والبيان، مخطوط، نسخة المكتبة المحمودية، بمكتبة المدينة المنورة العامة (لوحة:٦٩).
(٣) ينظر: تفسير القرطبي (١:٤٠٧).
(٤) تهذيب اللغة (١٣:٦٨).

<<  <   >  >>