للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول الثاني: وهو أنَّ المرادَ بالبيوتِ المرأةَ، فيه بُعْدٌ في التَّأويلِ، وليس لقائلِ هذا القولِ مُعْتَمَدٌ سوى أنَّ العربَ تُطلقُ لفظ البيتُ، وتريد به المرأةِ، منْ غيرِ أنْ ينظرَ إلى صحةِ هذا الإطلاقِ في هذا السِّياقِ.

وهذه الأقوالُ وأشباهُها في التَّفسيرِ فيها ضعفٌ؛ لأنها تعتمدُ اللُّغةَ فقط، دونَ النَّظرِ في المصادر الأخرى التي هي مقدَّمةٌ على مجرَّدِ اللُّغةِ.

وهذا لا يعني أنَّ الأقوالَ الصَّحيحةَ في فهم الآيةِ ليست من التَّفسيرِ اللُّغويِّ، بل قد تكون منه، لكنها اعتمدت مصدراً آخرَ معه؛ كسبب النُّزولِ، وإجماعِ الحُجَّةِ من أهلِ التَّأويلِ، وسياقِ الآياتِ، وهذه هي التي رجَّحَتِ المعنى اللُّغويَّ المقبولَ دونَ غيرِه، واللهُ أعلمُ.

[الصنف الثاني: أهل البدع]

لقدْ كانَ نظرُ أهلِ البدَعِ إلى اللُّغةِ تابعاً للمُعْتَقَدِ الذي يعتقدونَه. والأصلُ عندَهم بدعتُهم، ثمَّ يبحثونَ في سَعَةِ لغةِ العربِ عمَّا يدعمُها، وإنْ كانوا يحرصونَ على إبرازِ أنَّ تأويلاتِهم لا تخرجُ عن اللُّغةِ، كما قالَ الخَيَّاطُ المعتزليُّ (ت: بعد٣٠٠) في ردِّه على ابنِ الرَّاونْدِيِّ الملحدِ (ت:٢٩٨): «فهذه تأويلاتُ المعتزلةِ لِمَا تَلا منَ الآياتِ (١)، وكلُّها واضحٌ قريبٌ غيرُ خارجٍ منَ اللُّغةِ ولا مُسْتَكْرَهُ المعنى» (٢).

وقال القاضي عبدُ الجَبَّارِ (ت:٤١٥) (٣): «وهكذا طريقتُنا في سائرِ


(١) يقصد الآيات التي استشهد بها ابن الراوندي.
(٢) الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد (ص:١٨٣).
(٣) عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، المعتزلي، الشافعي، القاضي، صاحب التصانيف، منها: متشابه القرآن، وتنْزيه القرآن عن المطاعن، والمغني في أبواب العدل والتوحيد، توفي سنة (٤١٥)، ينظر: تاريخ بغداد (١١:١١٣ - ١١٥)، وسير أعلام النبلاء (١٧:٢٤٤ - ٢٤٥).

<<  <   >  >>