للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أنَّه لا بدَّ من وجودِ ارتباط بين التَّفسيرِ على المعنى والتَّفسيرِ اللَّفظي، كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك في الحديث عن علمِ الوجوهِ والنَّظائرِ عند السَّلفِ.

الثالثُ: أنه لا يلزمُ منَ التَّفسيرِ على المعنى أن يكون خارجاً عن البيانِ اللُّغويِّ؛ لأنَّه يمكنُ أن يُستنبطَ منه كما مضى، وقد نبَّه على ذلك الزَّجَّاجُ (ت:٣١١)، فقال في تفسيرِ الجبِتِ والطاغوتِ: «قال أهلُ اللغةِ: كلُّ معبودٍ من دونِ الله فهو جِبتٌ أو طاغوتٌ.

وقيل: الجِبتُ والطاغوتُ: الكهنةُ والشياطينُ.

وقيل في بعض التفسيرِ: الجِبتُ والطاغوتُ هاهنا: حُييُ بنُ أخطبٍ وكعبُ بنُ الأشرفِ: اليهوديان (١).

وهذا غُير خارجٍ عما قال أهلُ اللغةِ: لأنهم إذا اتبعوا أمرَهما فقد أطاعوهما من دونِ الله عزّ وجل» (٢).

وهذا القولُ من الزجاجِ (ت:٣١١) يعني أنه ليس كلُّ قولٍ لا يكون مطابقاً للمعنى اللغوي أنه خارجٌ عن اللغةِ، لكنَّ الوصولَ إلى هذا الارتباط بينهما يحتاجُ إلى معرفةٍ وإلمامٍ بمدلولِ المادةِ، كما هو ظاهرٌ من هذا المثالِ.

وقدْ أشارَ الطبريُّ (ت: ٣١٠) في تفسيرِ قولِه تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [الأحقاف: ١٥] إلى قريبٍ مما أشارَ إليه الزَّجَّاجُ (ت:٣١١)، فقال: «يقولُ أغْرِنِي بشكرِ نعمتِك التي أنعمتَ عَلَيَّ ... وألهمنِي ذلكَ. وأصْلُهُ مِنْ وَزَعْتُ الرَّجُلَ على كذا: إذا دفَعتُه عليه.


(١) ينظر أقوال السلف في تفسير الطبري، ط: الحلبي (٥:١٣١ - ١٣٣).
(٢) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: عبد الجليل شلبي (٢:٦١)، وينظر له مثالاً آخر (٢:١٦٨).

<<  <   >  >>