للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أنْ تحتملَ الآيةُ المعنى في السياقِ.

٤ - أنْ لا يُقصَرَ معنى الآيةِ على هذا المحتملِ دون غيره.

فإذا انتقضَ شيءٌ من هذه الضوابطِ حُكِمَ على التَّفسيرِ بالرَّدِّ وعدمِ القبولُ، وسأذكرُ في كُلِّ ضابطٍ مثالاً يوضِّح انتقاضَه، وبالله التوفيق.

الضابط الأول: أن لا تناقض [أي: تبطل] ما جاء عن السلف:

إذا وردَ قولٌ عنِ السَّلفِ في معنى آيةٍ، فإنه لا يجوزُ القولُ بضدِّه، ولا الاعتراضُ على ما جاءَ عنهم، بلْ يكونُ القولُ المناقضُ لقولِهم قولاً مُطَّرَحاً لا عبرةَ به.

وقدْ يقعُ ذلكَ بسببِ الجهلِ بقولِهم، أو بسببِ عدمِ الاعتدادِ بهم وبما وردَ عنهم منْ تفسيرٍ، وهذا شأنُ أهلِ البدعِ.

ومنَ الأمثلةِ في ذلكَ، قولُه تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: ٢٩]، فقدْ وردَ عنِ السَّلفِ أنَّ البكاءَ منَ الأرضِ والسَّماءِ بكاءٌ حَقِيقِيٌّ، ومنْ ذلكَ ما رواهُ سعيدُ بنُ جبيرٍ (ت:٩٤)، قالَ: «أتى ابنَ عباسٍ رجلٌ، فقال: يا أبا عباسٍ، أرأيتَ قولَ اللهِ تباركَ وتعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: ٢٩]، فهل تبكي السَّماءُ والأرضُ على أحدٍ؟.

قالَ: نعم. إنَّه ليسَ أحدٌ منَ الخلائقِ إلاَّ له بابٌ في السماءِ منه ينْزلُ رزقُهُ، وفيه يصعدُ عملُهُ، فإذا ماتَ المؤمنُ، فأغلِقَ بابُه منَ السَّماءِ الذي كان يصعدُ فيه عملُه، وينْزلُ منه رزقُهُ، بكى عليه.

وإذا فَقَدَهُ مُصَلاَّهُ من الأرضِ التي كانَ يُصلِّي فيها، ويذكرُ اللهَ فيها، بَكَتْ عليه. وإنَّ قومَ فرعونَ لم يكنْ لهم في الأرضِ آثارٌ صالحةٌ، ولم يكنْ يصعدُ إلى السَّماءِ منهم خيرٌ، قالَ: فلم تَبْكِ عليهم السَّماءُ والأرضُ» (١).


(١) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٥:١٢٤ - ١٢٥). وفيه عن ابن عباس من رواية عطية =

<<  <   >  >>