للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا القولُ فيه نظرٌ، قال النَّحَّاسُ (ت:٣٣٨): «وهذا غلطٌ عظيمٌ؛ لأنه يذهبُ إلى أنَّ الله تعالى حَظَرَ أنْ يُقَاتِلَ أحدٌ بينه وبينَ المسلمينَ نسبٌ، والمشركونَ قد كان بينهم وبين السابقينَ الأوَّلينَ أنسابٌ ...» (١).

هذا، ولا يخلو كتابُ ابن قتيبةَ مما طرحَه اللُّغويُّونَ في غريب القرآنِ من مباحثِ التَّفسيرِ اللُّغويِّ، ومن ذلك مبحثُ توجيه القراءاتِ القرآنيَّةِ، ومن الأمثلةِ في ذلكَ:

ما ورد عنه في قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: ٥٧]، قال: «يَضِجُّونَ يقالُ: صَدَدْتُ أصُدُّ صَدّاً: إذا ضَجَجْتُ. والتَّصْدِيَةُ منه، وهو: التَّصْفِيقُ، والياء فيه مبدلةٌ من دالٍ؛ كأنَّ الأصلَ فيه: صَدَّدْتُ بثلاثِ دالاتٍ، فقُلِبَتْ الأخرى ياءً، فقالوا: صَدَّيْتُ؛ كما قالوا: قَصَّيْتُ أظافري، والأصلُ: قَصَّصْتُ.

ومن قرأ: {يَصُدُّونَ} أراد: يعدلون ويعرضون» (٢).

كما يمكنُ ملاحظةُ تميُّزِه ببعضِ الأمورِ، وهي:

* استفادتُه من تفسيرِ السَّلفِ في بيانِ غريبِ القرآنِ، والإكثارُ منه، ولا أعرفُ أحداً من اللُّغويِّين سبقه إلى فعلِ ذلك، غير أنَّه في كثيرٍ من المواضعِ لا ينصُّ على المنقولِ عنهم، مما يضطرُ من أرادَ معرفةَ ذلك أن يتابعَ ويوازنَ نقولَه بأقوالِ السَّلفِ.

وهذا جعلَ في كتابِه مادَّةً من غيرِ مصدرِ اللُّغةِ؛ كالنُّزولِ، وقصص


(١) الناسخ والمنسوخ، للنحاس، تحقيق: سليمان اللاحم (٢:٢١٤)، وقد استفاده النحاس ـ كعادته ـ من الطبريِّ، ينظر: تفسير الطبري، تحقيق شاكر (٩:٢٠).
(٢) تفسير غريب القرآن (ص:٤٠٠)، وقرأ: يَصُدُّون، بضم الصاد كل من: نافع وابن عامر والكسائي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم. وقرأها: يَصِدُّون، بكسر الصاد الباقون. ينظر: القراءات وعلل النحويين فيها (٢:٦١٨).

<<  <   >  >>