للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه السلفُ (١)، واللهُ أعلمُ.

الثالث: دلالةُ الصِّيَغِ:

المرادُ بها البناءُ الذي تقومُ عليه الكلماتُ العربيَّةُ، فتجتمعُ فيه جملةٌ من الألفاظِ، يكونُ فيها معنى مشتركٌ يدلُّ دلالةً غيرَ دلالةِ اللفظِ المفردِ المعجميَّةِ، فمن الألفاظِ ما يجيء على صيغةِ «تفاعل»، وهي تدلُّ على حدوث الأمر من اثنينِ متقابلين؛ كتصافح، وتحارب، وتمازح، وغيرِها، فدلالة هذه الألفاظِ متباينةٌ، وإن كانت اشتركتْ في مدلولِ هذه الصِّيغةِ (٢).

وقد يكونُ أصلُ اللفظِ واحداً، ولكن تختلفُ صيغته، فيختلفُ معناه، فمعنى: قَبَرَ فلانٌ فلاناً: أي: باشرَ دفنَه بنفسِه، كما قال الأعشى (٣):

لَوْ أَسْنَدَتْ مَيتاً إلَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَى قَابِر

ومعنى: أقبرَ فلانٌ فلاناً: أمرَ له بالقبرِ، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: ٢١]. فاختلفت دلالة الفعل المشتقِّ من مادة قَبَرَ التي تدلُّ على سترٍ في الشَّيء وغموضِه، وذلك بسبب اختلافِ صيغَتِه في النُّطقِ.

وقد استخدمَ أهلُ البدعِ دلالةَ الصِّيَغِ كاستخدامهم دلالة الألفاظِ، ومنْ أمثلةِ ذلك:

١ - تحريفُ بعضِ المعتزلةِ لصيغةِ «أفْعَل» حيثُ أحدثوا لها دلالةً،


= الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، لابن المنيِّر، بحاشية الكشاف (٤:١٠)، وغيرها.
(١) ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٦:١٦٩ - ١٧١).
(٢) ممن كتبَ في دلالة الصيغ وأبنية الألفاظِ العربية: سيبويه في الكتاب، وابن قتيبة في أدب الكاتب، والفارابي في ديوان الأدب، ونشوان الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، وغيرها كثيرٌ.
(٣) ديوان، تحقيق: حنا نصر (ص:١٧٩).

<<  <   >  >>