للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسْتَتَبَّ المجلسُ، وهم يريدون أهلَ المجلسِ (١).

* أنَّ هذا من الاستعارةِ؛ لأنَّ الخطابَ للنَّارِ والجوابَ منها في الحقيقةِ لا يَصِحَّانِ، وإنما المرادُ: أنها فيما ظَهَرَ مِنِ امتلائها، وبَانَ مِنِ اغْتِصَاصِهَا بأهلِها بمنْزلةِ النَّاطقةِ بأنَّه لا مزيدَ فيها ولا سَعَةَ عندَها، وذلكَ كقولِ الشَّاعِرِ (٢):

امْتَلأ الحَوْضُ وَقَالَ قِطْنِي ... مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأتُ بَطْنِي

ولم يكنْ هناكَ قولٌ مِنَ الحوضِ على الحقيقةِ، ولكنَّ المعنى أنَّ ما ظهرَ من امتلائِه في تلك الحال جارٍ مجرى القولِ منه، فأقامَ الأمرَ المُدْرَكَ بالعينِ مقامَ القولِ المسموعِ بالأُذُنِ (٣).

وهذانِ القولانِ أخرجا الخطابَ عن الحقيقةِ، والصوابُ أنَّ الله الذي أنطقَ كُلَّ شَيءٍ يقولُ لجهنَّم قولاً، وجهنَّمُ ترد عليه قولاً، ولا مجالَ لإخراج الكلامِ عن حقيقتِهِ إلاَّ عندَ أصحابِ العقولِ الضَّيِّقَةِ التي لا تَقْدُرُ الله حَقَّ قدرِهِ، وتستبعدُ أنْ يجعلَ الجماداتِ منْ أهلِ المقالِ والإحساسِ، وقدْ حملَ العلماءُ هذا الخطابَ وأمثالَه على الحقيقةِ، قالَ الكرمانيُّ (ت: بعد٥٠٠) (٤): «وجُلُّ المفسرينَ على أنَّ القولَ في الآيةِ حقيقةٌ» (٥)، وهذا هو الصواب الذي


(١) ينظر: الأضداد، لابن الأنباري (ص:١٩٤)، وتلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي (ص:٢٦٥)، وغرائب التفسير، للكرماني (٢:١١٣٣).
(٢) الرجز من الشواهد المشهورة في كتب اللغة، وهو بلا نسبة، ينظر مثلاً: لسان العرب وتاج العروس، مادة (قطط).
(٣) تلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي (ص:٢٦٥). وينظر: متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار (١:١٠٨)، وغرائب التفسير، للكرماني (٢:١١٣٣)، والكشاف، للزمخشري (٤:٩)، ومجمع البيان للطبرسي (٢٦:١١٢).
(٤) محمود بن حمزة الكرماني، تاج القراء، كان عجباً في الفهم وحسن الاستنباط، له تصانيف كثيرة؛ منها: لباب التفسير، والبرهان في متشابه القرآن، توفي بعد (٥٠٠). ينظر: معجم الأدباء (١٩:١٢٥)، وغاية النهاية (٢:٢٩١).
(٥) غرائب التفسير (٢:١١٣٣)، وينظر: الأضداد، لابن الأنباري (ص:١٩٥)، =

<<  <   >  >>