للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في مثل هذا المثالِ وأشباهه تظهرُ صعوبةُ معرفةِ دلالةِ اللَّفظِ من خلالِ التَّفسيرِ على المعنى، كما تظهرُ صعوبةِ تحديدِ التَّفسيرِ على اللَّفظِ والتَّفسيرِ على المعنى، والله الموفِّقُ.

*المثال الثاني:

من الأمثلةِ التي يسهل استنباطُ المدلولِ اللُّغويِّ فيه:

ما رُوِيَ عنْ قتادةَ (ت:١١٧) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: ٤]، قال: «ألم ترَ إلى صاحب البنيان كيف لا يحبُّ أنْ يختلفَ بنيانُه، كذلك تباركَ وتعالى لا يختلفُ أمرُه (١)، وإنَّ الله وصفَ المؤمنينَ في قتالِهِم وصَفِّهِم في صلاتِهم، فعليكم بأمرِ الله، فإنه عصمةٌ لمنْ أخَذ به» (٢).

وإذا تأملتَ هذا النَّصَّ التفسيريَّ، فإنه يَدُلُّكَ على أن قتادةَ (ت:١١٧) يرى أنَّ لفظَ: «مرصوص» مأخوذٌ من التَّرَاصِّ؛ أي: الالتزاقِ، لا من الرَّصَاصِ الذي هو الوجهُ الآخرُ في تفسيرِ هذه اللفظةِ (٣).

ويحسنُ التنبُّه هنا إلى أمورٍ:

الأولُ: أنه يمكنُ أنْ يقالَ: إنَّ اتِجَاهَ السَّلفِ إلى التَّفسيرِ على المعنى؛ إنَّمَا كانَ؛ لأنَّ بيانَ المرادِ بالقرآنِ كانَ عندَهُم أهَمَّ مِنْ بيانِ لغتِه التي لم تكنْ خافيةً عليهم، ولم يقعْ عندهم اختلافٌ في عربيتِهِ وعربيةِ ما يفسرونَ به.


(١) جاءت هذه الجملة في الدر المنثور (٨:١٤٧): «فكذلك الله لا يحب أن يختلف أمره».
رواه عبد بن حميد وابن المنذر. وهي أوضح من العبارة التي نقلتُها من تفسير الطبري.
(٢) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٨:٨٦).
(٣) كذا فسر الفراء ومنذر بن سعيد البلوطي وغيرهما، ينظر: معاني القرآن (٣:١٥٣)، والمحرر الوجيز، ط: قطر (١٤:٤٢٧).

<<  <   >  >>