للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتشابهِ: أنه لا بُدَّ منْ أنْ يكونَ لهُ تأويلٌ صحيحٌ يخرجُ على مذهبِ العربِ، منْ غيرِ تكلُّفٍ وتعسُّفٍ» (١).

وهذا يدلُّ على حرصِهم على إظهارِ مساعدةِ اللُّغةِ لمذاهبِهِم، بل جعلَ ابنُ جِنِّي (ت:٣٩٢) في كتابه (الخصائص) باباً يخدمُ هذهِ المذاهبَ الباطلةَ، وسمَّاه: (باب ما يُؤْمِنُهُ علمُ العربيَّةِ منَ الاعتقاداتِ الدينيَّةِ) (٢)، وأدخلَ فيه نفيَ الظاهرِ والحقيقةِ مما أثبتَه اللهُ لنفسِه من الصِّفاتِ، وعَمَدَ فيها إلى المجازِ، وجعلَ هذه التأويلاتِ من سَعَةِ العربيَّةِ، فقالَ: «ولو كانَ لهمْ أُنْسٌ بهذه اللُّغةِ الشَّريفةِ، أو تَصرُّفٌ فيها، أو مُزَاوَلَةٌ لها، لَحَمَتْهُمْ السعادةُ بها، وما أصارتْهُم الشِّقْوَةُ إليه بالبُعْدِ عنها (٣)، وسنقولُ في هذا ونحوه ما يجب مثلُه ... وطريقُ ذلكَ أنَّ هذه اللُّغة أكثرُها جارٍ على المجازِ، وقلَّما يخرجُ الشَّيءُ منها على الحقيقةِ، وقدْ قدَّمنَا ذِكْرَ ذلكَ في كتابِنا هذا (٤) وفي غيرِه.

فلمَّا كانتْ كذلكَ، وكانَ القومُ الذينَ خوطبوا بها أعرفَ النَّاسِ بِسَعَةِ مذاهبِها، وانتشارِ أنحائها، جرى خطابُهم بها مجرى ما يألفونَهُ، ويعتادونَهُ منها، وفَهِمُوا أغراضَ المخاطِبِ لهم بها على حَسْبِ عُرْفِهم وعادتِهم في استعمالِها ...» (٥).


(١) إعجاز القرآن، للقاضي عبد الجبار، من كتابه: المغني (١٦:٣٨٠).
(٢) ينظر: الخصائص (٣:٢٤٨ - ٢٥٨).
(٣) يقصد مثبتي الصفات، وإن كان ذكر ألفاظاً من ألفاظ أهل التجسيم التي لا يوافق عليها أهل السنة الذين يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم دون تمثيل، كما يفعله أهل التجسيم، ولا تعطيل، كما يفعله أهل التأويل الذين هم باسم التحريف أولى، وهذا إمَّا لأنه لا يفهم مذهب السلف، وإمَّا أنَّه أراد أن يشنِّع هذا المذهب بذكر هذه الألفاظ التي لا يرضاها الناس إذا سمعوا بها، لينفروا عن أصحاب هذا المذهب.
(٤) ينظر: الخصائص (٢:٤٤٩ - ٤٥٩).
(٥) الخصائص (٣:٢٤٩ - ٢٥٠).

<<  <   >  >>