للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: تَنْظُرُ في رزقِها وما يأتيها من اللهِ؛ كما يقولُ الرجلُ: ما أنظرُ إلا إليك.

ولو كان نَظَرَ البصرِ كما يقول بعضُ النَّاسِ، كانَ في الآية التي بعدها بيانُ ذلكَ، ألا ترى أنَّه قالَ: {وَوَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ *تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة: ٢٤، ٢٥]، ولم يقلْ: ووجوهٌ لا تنظرُ ولا تَرَى.

وقولُه: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة: ٢٥] يدلّ الظَّنُّ هاهنا على أنَّ النظرَ ثَمَّ: الثقةُ بالله وحُسْنُ اليقينِ، ولا يدلُّ على ما قالوا. وكيفَ يكونُ ذلكَ، واللهُ يقولُ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]» (١).

والمقصود هاهنا أن مذهبَه الاعتزاليَّ قدْ أثَّرَ في تفسيره لمعنى النَّظَرِ إلى الباري سبحانه، وجاءَ بما يخالفُ اللُّغةَ. وقد ردَّ الأزهريُّ (ت:٣٧٠) ما فسَّرَ به الأخفشُ (ت:٢١٥)، فقال: «ومنْ قالَ: إنَّ معنى قولِه: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣]؛ بمعنى: مُنْتَظِرَة، فقد أخطأَ؛ لأنَّ العربَ لا تقولُ: نَظَرْتُ إلى الشيءِ؛ بمعنى: انْتَظَرْتُهُ، إنما تقولُ: نَظَرْتُ فلاناً؛ أي: انْتَظَرْتُهُ، ومنه قولُ الحطيئةِ (٢):

وَقَدْ نَظَرْتُكُمْ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ ... لِلْوِرْدِ طَالَ بِهَا حَوْزِي وَتَنْسَاسِي

فإذا قلتَ: نَظَرْتُ إِليه، لَمْ يكنْ إلاَّ بالعينِ. وإذا قلتَ: نَظَرْتُ في الأمرِ، احتملَ أنْ يكونَ تَفَكُّراً وتَدَبُّراً بالقلبِ» (٣).

٢ - وقال الأخفش (ت:٢١٥): «... وكذلكَ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٣]، كما تقولُ: إنَّ لفلانٍ عندي يداً؛ أي: نِعْمَةً. وقال: {أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص: ٤٥]؛ أي: أولي النِّعَمِ، وقدْ تكونُ اليدُ في وجوهٍ، تقول: بين يدي الدارِ؛ يعني: قُدَّامَهَا، وليستْ للدارِ يدانِ» (٤).


(١) معاني القرآن (١:٣٣٠).
(٢) البيت في ديوانه (ص:٤٦).
(٣) تهذيب اللغة (١٤:٣٧١).
(٤) معاني القرآن (١:٢٨٤).

<<  <   >  >>