للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أنَّ كتبَ الغريبِ يكثر فيها الاستشهادُ اللُّغويُّ، وهي أكثرُ من شواهدِ كتبِ المعاني في هذا البابِ.

ومنَ الأمثلةِ على هذه الشَّواهدِ في كتبِ اللُّغويِّين ما يلي:

١ - قال الفراءُ (ت:٢٠٧): «وقولُهُ: {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [الفرقان: ٢١]: لا يخافون لقاءنا، وهي لغةٌ تِهاميَّةٌ، يَضَعُونَ الرَّجاءَ في موضعِ الخوفِ إذا كان معه جحدٌ. ومن ذلك قول الله: {مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣]؛ أي: لا تخافون له عظمةً، وأنشدني بعضهم (١):

لا تَرْتَجِي حين تُلاقِي الذَّائِدا ... أَسَبْعَةً لاقتْ مَعاً أَمْ واحِدا

يريد: لا تخاف ولا تبالي. وقال الآخر (٢):

إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها ... وَحَالَفَهَا في بيتِ نُوبٍ عَوَامِلِ

يقال: نَوب ونُوب، ويقال: أَوب وأُوب: من الرجوع.

وقال الفرّاء: والنُّوبُ: ذَكَرُ النَّحْلِ» (٣).

٢ - وقال أبو عبيدة (ت:٢١٠) ـ في قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا} [النبأ: ٢٤]ـ: «نوماً ولا شراباً، وقال الكندي (٤):


(١) أورده الفراء في معانيه (١:٢٨٦)، وقوله في هذا الموضع: «وأنشدني بعضهم» يدلُّ على أنه من روايته، ولم يبيِّن هذا المنشد، هل هو القائل للبيت، أو هو راوٍ له؟
وقد ذُكر هذا البيت في المصادر التي جاءت بعده بلا نسبة، ينظر: تهذيب اللغة (١١:١٨٢)، ومادة (رجا) في أساس البلاغة ولسان العرب وتاج العروس.
(٢) هو لأبي ذؤيب الهذلي، ينظر: ديوان الهذليين (١:١٤٣)، وفي البيت: «خالفها» بدلاً عن «حالفها»، وهما روايتان كما نصَّ عليه الشارح للديوان، وقال: «والنُّوبُ: التي تنوبُ، تجيء وترجع».
(٣) معاني القرآن، للفراء (٢:٢٦٥).
(٤) البيت بتمامه:
بَرَدَتْ مَرَاشِفُهَا عَلَيَّ، فَصَدَّنِي ... - عَنْهَا وَعَنْ قُبْلَتِهَا ـ البَرْدُ
ولم أعرف من هو الكندي الذي نُسِب إليه الشعر، وقد نقل استشهاد أبي عبيدة به: =

<<  <   >  >>