للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول الإمام أحمد في الاحتجاج بالشعر:

وأمَّا ما وردَ عنِ الإمامِ أحمدٍ (ت:٢٤٢) لما سئلَ عنِ القرآنِ يَتَمَثَّلُ له الرجلُ بشيءٍ من الشِّعْرِ؟ قال: «لا يعجبني» (١). فإنه قولٌ مُجْمَلٌ غيرُ مُبَيَّنٍ، ولذا اختلفَ أصحابُه في تخريجِ قوله: «فقال بعضُهم: ظاهرُهُ المنعُ.

وقال غيرُهم: بل يفيدُ الكراهةَ.

وقال آخرونَ: بلْ يُحْمَلُ على من يصرفُ الآيةَ عن ظاهرِها إلى معانٍ صالحةٍ محتملةٍ يدلُّ عليها القليلُ منْ كلامِ العربِ، ولا يُوجَدُ ـ غالباً ـ إلا في الشِّعْرِ ونحوِه، ويكونُ المتبادرُ خلافَهُ» (٢).

هذا، وإنْ كانَ مرادُه أنه لا يعجبُه الاحتجاجُ بالشِّعْرِ مطلقاً في تفسيرِ القرآنِ، فإنَّ ذلك اجتهادٌ مخالفٌ لما عليه عَمَلُ مفسري السَّلفِ المتقدمينَ العالمينَ بكتابِ اللهِ؛ كابنِ عبَّاسٍ (ت:٦٨)، وسعيدِ بنِ جبيرٍ (ت:٩٥)، وعامرٍ الشَّعبيِّ (ت:١٠٣)، ومجاهدٍ (ت:١٠٤)، والضَّحَّاكِ (ت:١٠٥)، وعكرمةَ (ت:١٠٥)، وغيرِهم مِمَّنْ مَرَّ ذِكْرُ أمثلةٍ عنهم فيها الاحتجاجُ بالشِّعْرِ في التَّفسيرِ، والله أعلم.

تنبيهٌ يتعلَّقُ بالاحتجاجِ بقولِ السَّلفِ في اللُّغةِ:

وقبلَ أن أختمَ هذه المسألةَ أسوقُ هاهنا ملاحظَةً تتعلقُ بزمنِ الاحتجاجِ ونقلِ اللُّغةِ، وإليك بيانُها:


(١) المسودة في أصول الفقه (ص:١٥٨).
(٢) المسودة في أصول الفقه (١:١٥٨)، وقد ذكر الطاهر بن عاشور هذا الأثر عن أحمد، فقال: «فمما يؤثر عن أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه سئل عن تمثل الرجل ببيت شعر، لبيان معنى في القرآن، فقال: «ما يُعجبني»؛ فهو عجيب، وإن صحَّ عنه، فلعله يريد كراهة أن يُذكرَ الشعر لإثبات صحة ألفاظِ القرآنِ، كما يقع من بعضِ الملاحدة، روي عن ابن الراوندي ـ وكان يُزَنُّ بالإلحاد ـ قال لابن الأعرابي: أتقول العرب: لباس التقوى؟. فقال ابن الأعرابي: لا باس لا باس، وإذا أنجى الله الناس، فلا نجَّى ذاك الراس، هبك يابن الراوندي تنكر أن يكون محمدٌ نبيًّا، أفتنكر أن يكونَ فصيحاً عربيًّا؟». التحرير والتنوير (١:٢٣).

<<  <   >  >>