للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ قالَ معلِّقاً: «وأولى القولينِ في ذلك بالصَّوابِ، قول من قال: حملت التَّابوتَ الملائكةُ، حتى وضعتْهُ لها في دار طالوت قائماً بين أظهر بني إسرائيل، وذلك أنَّ الله تعالى ذِكْرُه قال: {تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ}، ولم يقل: تأتي به الملائكة.

وما جرَّتْهُ البقرُ على عَجَلٍ، وإنْ كانتِ الملائكةُ هي سائقتُها، فهي غيرُ حامِلَتِه؛ لأنَّ الحملَ المعروفَ هو مباشرةُ الحاملِ بنفسِه حملَ ما حملَ، فأمَّا ما حملَه على غيرِه، وإن كانَ جائزاً في اللُّغةِ أنْ يُقال: حملَه؛ بمعنى: معونتِه الحاملَ، وبأنَّ حملَه كانَ عن سببِه، فليسَ سبيلُه سبيلَ ما باشرَ حملَه بنفسه في تعارفِ الناسِ إيَّاه بينهم. وتوجيهُ تأويلِ القرآنِ على الأشهرِ من اللُّغاتِ، أولى من توجيهِه إلى الأنكرِ، ما وُجِدَ إلى ذلك سبيل» (١).

٣ - وفي قوله تعالى: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣]، قال: «وقال بعضُهم: إنَّما قيل ذلك، من أجلِ أنَّ العربَ تضعُ العلمَ مكانَ الرُّؤيةِ، والرُّؤيةَ مكانَ العلمِ؛ كما قالَ جَلَّ ذِكْرُه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١]، فزعمَ أنَّ معنى (ألم تر): ألم تعلم؟ وزعم أنَّ معنى قولِهِ: (إلاَّ لِنَعْلَمَ)، بمعنى: إلاَّ لنرى من يتَّبِع الرسول. وزعم أنَّ قول القائل: (رأيتُ، وعلمتُ، وشهدتُ) حروفٌ تتعاقب، فيوضَع بعضها موضع بعض، كما قال جرير بن عطية (٢):


(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٥:٣٣٦ - ٣٣٧).
(٢) جرير بن عطية الخطفي، أبو حَرْزَة التميمي، شاعر مفلق من شعراء الدولة الأموية، هجا الشعراء؛ كالفرزدق والأخطل، وله أخبار وأشعار مشهورة، توفي سنة (١١١) وقيل غيرها. ينظر: الشعر والشعراء، لابن قتيبة (١:٤٦٤ - ٤٧٠)، ومعجم الشعراء (ص:٥٤ - ٥٥).
والبيت في ديوانه بشرح محمد بن حبيب، تحقيق: نعمان محمد أمين طه (ص:١٠٠٤).

<<  <   >  >>