للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذهب بعض الناس ببيت الشَّمَّاخِ (١) هذا المذهب، وهو قوله (٢):

إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّهَا عَرَابَةُ بِاليَمِينِ

فقالوا: معناه: بقوة وعزيمة، وإلاَّ، فكلُّ أحدٍ يتلقَّاها بيمينه، لو كانت الجارحة، وأيضاً: لما استعار الرايةَ للمجدِ، فكذا لم يُرِدْ باليمينِ الجارحة.

ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يُريدوا: إنكم كنتم تأتوننا من الجِهةِ التي يُحسِّنها تمويهُكم وإغواؤكم، ويظهر فيها أنها جهةُ الرشد والصواب، فتصير عندنا كاليمين الذي يتيمَّنُ بالسانح الذي يجيئنا من قِبَلِها، فكأنهم شبَّهوا أقوال هؤلاء المُغوِينَ بالسَّوانحِ التي هي عندهم محمودة؛ كأن التمويه في هذه الغويات قد أُظهِرَ فيها ما يُوشِكُ أن يُحمدَ به ...» (٣).

٢ - في قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: ٦]، قال: «قوله تعالى: {عَرَّفَهَا لَهُمْ}، قال أبو سعيد الخدري، وقتادة، ومجاهد: معناه: بيَّنها لهم؛ أي: جعلهم يعرفون منازلهم منها. وفي نحو هذا المعنى قولُ النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لأحدكم بمنْزله في الجنة أعرف منه بمنْزله في الدنيا» (٤).


(١) معقل بن ضرار، من بني سعد بن ذبيان، الشاعر المعروف بالشَّمَّاخ، مخضرمٌ، أسلم وحسن إسلامه، توفي في غزوة موقان بعد سنة (٣٠)، زمن خلافة عثمان. ينظر: معجم الشعراء المخضرمين والأمويين (ص:٢٠٥)، ومعجم الشعراء (ص:١٢٤).
(٢) البيت في ديوانه، تحقيق: صلاح الدين الهادي (ص:٣٣٦)، وهي من قصيدة يمدح فيها عرابة الأوسي، وهو من صغار الصحابة.
(٣) المحرر الوجيز، ط: قطر (١٢:٣٤٦ - ٣٤٨)، وقد بقي في كلامه احتمالانِ تركتهما تخفيفاً في النقلِ.
(٤) رواه البخاري بلفظ: «فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنْزله في الجنة منه بمنْزله كان في الدنيا». ينظر: فتح الباري، ط: الريان (١١:٤٠٣)، وقد أخرج الحديث: أحمد في مسنده (٣:٧٤)، وأبو يعلى في مسنده (٢:٤٠٤)، وابن منده في الإيمان (٢:٨١٤)، والطبري في تفسيره، ط: الحلبي (١٤:٣٧ - ٣٨).

<<  <   >  >>