للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاني اللغةِ وتوسُّعها ما يناسِبُ معتقده، وسأكتفي بذكرِ بعضِ الأمثلةِ، لئلاَّ يطولَ المقامُ، واللهُ الموفِّقُ:

١ - في قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: ١٤]، قال ابن عطيَّةَ (ت:٥٤٢): «لننظر، معناه: لنبيَّنَ في الوجودِ ما علمناه أزلاً، لكنْ جَرَى القولُ على طريقِ الإيجازِ والفصاحةِ» (١).

ففسَّرَ النَّظرَ هنا بما ترى، وفيه خروجٌ عن معنى النَّظرِ المعروفِ في لغةِ العربِ، وإنما قال ذلكَ لأنَّ العلمَ عنده علمٌ واحدٌ أزليٌّ، ولم يفرِّق بين العلمِ بالشَّيء قبلَ وقوعِه، والعلم به بعد الوقوعِ، وكأنه يلزم من قوله أنه علمه أزلاً وانتهى. وهو بهذا لم يثبتِ الرُّؤيةَ المدلولَ عليها بالنَّظرِ، ولم يُثبتِ علمَ اللهِ بهم بعد أن جعلهم خلائفَ، فتأمَّل كيفَ جرَّه نفيُ وقوع العلمِ بالمعلومِ بعد وقوعه إلى هذا الذي قال.

٢ - وفي قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ٢]، قال: «والإنزال، إما بمعنى الإثبات، وإما أن تتصف به التِّلاوة والعبارة» (٢).

وفي قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: ٥٠]، قال: «أنزلناه، إما أن يكونَ بمعنى أثبتناهُ، كما تقول: أنزل السُّلطان (٣) فلاناً بمكان كذا: إذا أثبته، وإما أن يتعلق النُّزولُ بالمَلكَ» (٤).

وتفسيرُ الإنزال بالإثباتِ ليس معروفاً في لغة العربِ، وإنما المعروفُ: نزل بالمكانِ إذا حلَّ فيه؛ كقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ


(١) المحرر الوجيز، ط: قطر (٧:١١٧).
(٢) المحرر الوجيز، ط: قطر (٧:٤٣١). وينظر: (٧:١٧١).
(٣) وردت في مطبوعة قطر: «الشيطان»، وصوابه: «السلطان»، كما في المطبوعة المغربية (١١:١٤١).
(٤) المحرر الوجيز، ط: قطر (١٠:١٦٠).

<<  <   >  >>