للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العربيَّةِ، وفي هذا تركٌ للظَّاهِرِ من تثنيةِ الجنَّتينِ دونَ دليلٍ يَدُلُّ عليه سوى جوازِ العربيَّةِ في هذا المثالِ، وقدِ اعترضَ عليه ابنُ قتيبةَ (ت:٢٧٦) وشَنَّعَ، فقال: «وهذا منْ أعجبِ ما حُمِلَ عليه كتابُ اللهِ، ونحنُ نعوذُ باللهِ منْ أنْ نتعسَّفَ هذا التَّعسُّفَ، ونجيزَ على اللهِ ـ جلَّ ثناؤه ـ الزِّيادةَ والنَّقصَ في الكلامِ لرأسِ آيةٍ.

وإنَّما يجوزُ في رؤوسِ الآي أنْ يَزِيدَ هاءً للسَّكتِ؛ كقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه} [القارعة: ١٠]، وألِفاً؛ كقولِه: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: ١٠]، أو يحذفَ همزةً منَ الحرفِ؛ كقوله: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: ٧٤]، أو ياءً؛ كقولِه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: ٥] لتستويَ رؤوسُ الآيِ، على مذاهبِ العربِ في الكلامِ إذا تَمَّ فآذَنَتْ بانقطاعِه وابتداءِ غيرِه؛ لأنَّ هذا لا يُزِيلَ معنىً عن جهتِهِ، ولا يزيدُ ولا ينقصُ.

فأمَّا أنْ يكونَ اللهُ عزّ وجل وَعَدَ جنَّتينِ، فيجعلُهما جنَّةً واحدةً من أجلِ رؤوسِ الآيِ، فمعاذَ الله!

وكيفَ يكونُ هذا؟! وهو ـ تباركَ اسمُهُ ـ يَصِفُها بصفاتِ الاثنينِ، فقال: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: ٤٨]، ثم قال: {فِيهِمَا} [الرحمن: ٥٠]، {فِيهِمَا} [الرحمن: ٥٢].

ولوْ أنَّ قائلاً قالَ في خزنةِ النَّارِ: إنهم عشرونَ، وإنما جعلهمْ تسعةَ عشرَ لرأسِ الآيةِ ـ كما قال الشاعرُ (١):

نَحْنُ بَنُو أُمِّ البَنِينُ الأَرْبَعَه ... .......

وإنما همْ خمسةٌ، فجعلهم للقافية أربعةً (٢) ـ ما كان في هذا القول إلا


(١) البيت للبيد، في ديوانه بشرح الطوسي، تحقيق: حنَّا نصر الحِتِّي (ص:١٠٩).
(٢) قال أبو عبيد البكري في سمط اللآلي (١:١٩٠ - ١٩١): «... أمُّ البنين بنت عمرو بن عامر فارس الضحياء واسمها الحيا، وهي التي يضرب بها المثل فيقال: =

<<  <   >  >>