للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعندَ تمحيصِ هذا الاتهامِ، تجدُ أنه قال عن نفسِه: «كنت أنا وبشرٌ المريسيُّ (١) في بيت واحدٍ عشرين سنةً، ما تعلَّمَ مني شيئاً، ولا تعلَّمتُ منه شيئاً» (٢).

وهذا يعني أنَّه لم يستفِدْ منه في علمِ الكلامِ، ولكنَّ مخالطَةَ القومِ قد يكونُ لها أثرٌ من حيثُ لا يشعرُ المرءُ، فقدْ يقعُ في كلامِه من آرائهِم ما لم يحتسب له، ولا أدركَهُ، ويفسِّرُ هذا ما أوردَه الشَّريفُ المرتضى المعتزليُّ (ت:٤٣٦) (٣)، وهو يوجِّه قولَ اللهِ تعالى: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤] على ما يوافقُ مذهبَ المعتزلةِ، قال: «... أن نجعلَ حرفَ الشرطِ الذي هو «إن» متعلقاً بما يليه، وبما هو متعلقٌ به في الظاهرِ، من غيرِ تقديرِ محذوفٍ، ويكون التقديرُ: ولا تقولن إنكَ تفعلُ إلاَّ ما يريد اللهُ.

وهذا الجواب ذكره الفرَّاء (٤)، وما رأيته إلاَّ له، ومن العجبِ تغلغُلُهُ إلى


(١) بشر بن غياث بن أبي كريمة، أبو عبد الرحمن المَرِيسي، المتكلم المعتزلي، كان من كبار الفقهاء، ثم نظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرَّد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره، فمقته أهل العلم، وكفَّره بعض العلماء، وله تصانيف، منها: المعرفة، والرد على الرافضة، ينظر: تاريخ بغداد (٧: ٥٦ - ٦٧)، وسير أعلام النبلاء (١٠: ١٩٩ - ٢٠٢).
(٢) إنباه الرواة (٤: ١٤).
(٣) علي بن حسين، أبو طالب الحسيني الموسوي، المعروف بالشريف المرتضَى، كان صاحب فنون، وكان رافضيًّا، معتزليًّا، شاعراً، وكانت له نقابة الطالبيين، وقد نُسب إليه وضع كتاب «نهج البلاغة»، المنسوب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، توفي سنة (٤٣٦). ينظر: تاريخ بغداد (١١: ٤٠٢ - ٤٠٣)، وسير أعلام النبلاء (١٧: ٥٨٨ - ٥٩٠).
(٤) قال الفراء في معانيه (٢: ١٣٨): «وقوله: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}: إلاَّ أن تقول: إن شاءَ اللهُ، ويكون مع القولِ: ولا تقولنَّه إلاَّ أن يشاءَ اللهُ؛ أي: ما يريدُ اللهُ».

<<  <   >  >>