للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقال: ما كانوا يستطيعونَ السَّمعَ وما كانوا يبصرون؛ أي: أضلَّهم اللهُ عن ذلكَ في اللَّوحِ المحفوظِ» (١).

وقد حكى نسبةَ الإضلالِ إلى اللهِ سبحانَهُ، والمعتزلةُ يخالفونَ في ذلكَ، ولو كان الفرَّاءُ (ت:٢٠٧) منهم لما ذكرَ هذا القولَ، أو لَرَدَّ عليه، ويشبهُ هذا ما وردَ عنه في:

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧]، قال: «وقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، يقال: بلا إله إلاَّ الله، فهذه في الدنيا، وإذا سئلَ عنها في القبرِ بعدَ موته، قالها إذا كان من أهل السعادةِ، وإذا كانَ من أهل الشَّقاوةِ لم يقلْها، فذلك قوله عزّ وجل: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} عنها؛ أي: عن قولِ لا إله إلا الله، {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}؛ أي: لا تُنكرُ له قدرةٌ، ولا يُسألُ عمَّا يفعلُ» (٢).

* وقوله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: ١٨]، قال: «يقولُ: ومن يُشْقِهِ اللهُ فما له من مُسْعِدٍ» (٣).

٤ - وفي قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: ٢٩]، ذكرَ أثرينِ في تفسيرِها (٤)، أحدهما عن ابن عباس (ت:٦٨)، والآخر عن سعيد بن جبير (٩٤)، وهذان الأثران يدلاَّن على وقوعِ البكاءِ حقيقةً (٥)، وأهلُ الاعتزال لا يقولون بهذا القولِ، بل يحملُون مثلَ هذه الآيةِ على المجازِ (٦).

وهذه النُّصوصُ وغيرها تدلُّ على أنَّ الفراءَ (ت:٢١٠) لم يكنْ معتزليَّاً، وإن كانَ وقع منه شيءٌ، فبسببِ قُربِه منهم، ومخالطته لهم، والله أعلمُ.


(١) معاني القرآن (٢:٨).
(٢) معاني القرآن (٢:٨).
(٣) معاني القرآن (٢:٢١٩).
(٤) معاني القرآنِ (٣:٤١). والأثرانِ عن ابن عباسٍ من طريق الكلبي، وعن سعيد بن جبير.
(٥) ومثلها ما ذكره في تفسير قوله تعالى: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، قال: «هو كتغيُّظِ الآدميِّ إذا غضبَ، فغلى صدرُه، وظهرَ كلامُه». معاني القرآنِ (٢:٢٦٣).
(٦) سيأتي ذكرُ قولِ المعتزلةِ في هذه الآياتِ وغيرها في فصل (الانحراف اللغوي).

<<  <   >  >>