للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المضافِ إليه، كما قالَ الشاعرُ (١):

رَأتْ مَرَّ السِّنِين أَخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السَّرَارُ مِنَ الهِلالِ

لمَّا كانتِ السِّنُونُ لا تكونُ إلاَّ بِمَرٍّ، أخبرَ عن السِّنِينِ، وإنْ كانَ أضافَ إليها المُرُورَ ...» (٢).

٢ - وفي قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: ٩] قال: «المعنى: كان ما بينه وبينَ رسولِ اللهِ مقدارَ قوسينِ مِنَ القَسِيِّ العربيَّةِ أو أقربَ.

وهذا الموضعُ يحتاجُ إلى شرحٍ؛ لأنَّ القائلَ قد يقولُ: ليسَ تخلو «أو» منْ أنْ تكونَ للشَّكِّ أوْ لغيرِ الشَّكِّ، فإنْ كانتْ للشَّكِّ، فمُحَالٌ أنْ يكونَ موضعَ شكٍّ. وإنْ كانَ معناها: بلْ أدنى، بلْ أقرب، فما كانتِ الحاجةُ إلى أنْ يقولَ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: ٩]، كانَ ينبغي أنْ يكونَ: كانَ أدنى منْ قابِ قوسينِ؟

والجوابُ في هذا ـ واللهُ أعلمُ ـ: أنَّ العبادَ خُوطبوا على لغتِهم ومقدارِ فهمِهم، وقيلَ لهم في هذا ما يقالُ للذي يَحْرِزُ، فالمعنى: فكانَ على ما تُقدِّرونَه أنتم، قَدْرَ قوسينِ أو أقلَّ منْ ذلكَ، كما تقولُ في الذي تُقَدِّرُهُ: هذا قَدْرُ رمحينِ أو أنقصُ من رمحينِ أو أرجَحُ، وقد مَرَّ مثل هذا (٣) في قوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: ١٤٧]» (٤).


(١) البيت لجرير، وهو في ديوانه، شرح محمد بن حبيب (٢:٥٤٦).
وقال شارحه: «والسَّرار: ليلتان تبقيان من الشهر. إذا كان تامّاً، كان سراره ليلتين، وإذا كان ناقصاً، كان سَراره ليلة، وهو أن يسْتَسِرَّ القمر بذلك البُرْجِ، ثُمَّ يُهِلُّ بعد يومٍ».
(٢) معاني القرآن وإعرابه (٤:٨٢).
(٣) ينظر: معاني القرآن وإعرابه (٤:٣١٤).
(٤) معاني القرآن وإعرابه (٥:٧١).

<<  <   >  >>