للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَأتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السَّرَارُ مِنَ الهِلاَلِ

رجعَ إلى «السنين» وترك «مرَّ».

وقال الفرزدقُ (١):

تَرَى أَرْبَاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهَا ... إذَا صَدَئُ الحَدِيد على الكماةِ

فلم يجعل الخبرَ للأرباقِ، ولكن جعله للذين في آخرها من كنايتهم، ولو كان للأرباقِ لقال: متقلدات، ولكن مجازه: تراهم متقلدين أرباقَهم» (٢).

ذكرَ أبو عبيدةَ (ت:٢١٠) في هذه الآية احتمالين في معنى {خَاضِعِينَ}:

الأول: أن تكونَ من صفةِ الأعناقِ، وهي بذاتها تكونُ خاضعةً، وإنما جاء التَّعبيرُ عنها بالجمعِ الذي يُعبَّرُ به عن الآدميين (٣)؛ أي: جمع المذكر السالم؛ لأنه مما يظهر فيهم.

الثاني: أن تكون من صفةِ الضَّميرِ «هم»، في {أَعْنَاقِهِمْ}، العائدِ على النَّاسِ، وعلى هذا القولِ ـ وهو قول أبي عمرو ـ لا يكون في اللفظِ خروجٌ عن أصلِه؛ لأنَّ الآدميين يُخبر عنهم بالواو والنون، أو الياء والنون، بخلافه المواتُ الذي لا يُخبرُ عنه بذلك، وإنْ أُخبرَ عنه به، فهو خروجٌ عن أصل الخطاب لمعنى يريده القائلُ.


(١) الفرزدق، هو همام بن غالب، أبو فراس التميمي، الشاعر المعروف، كان يُهاجي الشعراء، وعلى رأسهم جرير، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين، توفي سنة (١١٠). ينظر: خزانة الأدب (١:٢١٧ - ٢٢٣)، ومعجم الشعراء (ص:٢٠٨).
ولم أجد البيت في ديوانه الذي شرحه وضبطه علي الفاعور، وقد ذكر فؤاد سزكين أنه في ديوانه (ص:١٣١)، ولم أحصل على هذه الطبعة التي أعاد إليها فؤاد، وقد وجدته ضمن أبيات للفرزدق في كتاب شرح نقائض جرير والفرزدق، لأبي عبيدة، تحقيق: محمد حُوَّرْ ووليد خالص (٣:٨٩٣).
(٢) مجاز القرآن (٢:٨٣ - ٨٤).
(٣) ينظر أمثلةً لذلك في مجاز القرآن (٢:٣٨، ٤٠، ٤٢، ٩٣، ١٥٣، ١٦٢، ١٩٦).

<<  <   >  >>