للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - وفي قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ٩]، قال: «يخادعون في معنى يخدعون، ومعناها يُظهِرون غيرَ ما في أنفسهم، ولا يكادُ يجيءُ «يُفَاعِلُ» إلاَّ من اثنينِ، إلاَّ في حروفٍ هذا أحدها. قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: ٣٠]، معناه: قتلهم الله» (١).

يُشعِرُ اختيارُه هنا بعدمِ وقوعِ المخادعةِ من اللهِ تعالى، حيث صرف معنى المفاعلةِ في هذه الآيةِ إلى أنها تقعُ من الواحدِ، وهذه الصِّيغة ـ وإن كانت ترد لهذا المعنى ـ يصحُ حملها في هذه الآية على المفاعلةِ من الاثنين الذي هو أصلُ معنى هذه الصِّيغةِ، بدليلِ وصفِ الله بها في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢]، لكنَّ مخادعةَ اللهِ لا تكونُ منه ابتداءً، بلْ هو يخادِعُ من يخادِعُهُ، لذا لمْ تردْ هذه الصفةُ مفردةً إثباتاً، بلْ وردتْ مقابلَ مخادعةِ المنافقينَ، والمخادعةُ منه بخلافِ المخادعة من البشرِ، على القاعدةِ المعروفةِ في الأوصافِ المنسوبةِ إلى اللهِ.

وهذه الأمثلة التي وقع فيها خطأٌ من أبي عبيدة (ت:٢١٠) لا تكفي في الحكم عليه بانتهاجه مذهبَ المعتزلةِ، خاصةً إذا تأملتَ تفسيره الصريح للاستواءِ بالعلوِ، وهذا يخالفُ مذهبَ المعتزلةِ.

ولذا فإنَّ الحالَ في الحكمِ على مثله لا يصلحُ أنْ يكونَ مطلقاً، بلْ يُنبَّه على الأخطاءِ التي وقعَ فيها، ولستَ مُلزماً بِنَسْبِهِ إلى طائفةٍ منْ طوائفِ البدعِ، بل تبقى في الحكم على الأصلِ، وهو السَّلامة من البدعِ، والله أعلم.


(١) مجاز القرآن (١:٣١).

<<  <   >  >>