للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - وفَسَّرَ الزَّجَّاجَ (ت:٣١١) قولَ الله تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: ٤٠]، فقال: «وهذا موضعٌ لطيفٌ يحتاجُ أنْ يُشْرَحَ، وهو أنَّ الحُسْبَانَ في اللُّغةِ هو الحِسَابُ، قالَ تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥]، المعنى: بِحِسَابٍ. فالمعنى في هذه الآيةِ: أنْ يُرسِلَ عليها عذابَ حُسْبَانٍ، وذلك الحُسْبَانُ هو حِسَابُ ما كسبتْ يداكَ» (١).

وقد تعقَّبَ الأزْهَرِيُّ (ت:٣٧٠) هذا القولَ، فقال: «والذي قاله الزَّجَّاجُ في تفسيرِ هذه الآيةِ بعيدٌ، والقولُ ما قاله الأخْفَشُ وابنُ الأعْرَابِيِّ وابنُ شُمَيْل (٢)، والمعنى ـ والله أعلم ـ: أنَّ اللهَ يُرْسِلُ على جَنَّةِ الكافرِ مَرَامِيَ مِنْ عَذابٍ، إما بَرَدٌ، وإمَّا حِجَارَةٌ، أوْ غيرُها مما شاءَ، فَيُهْلِكُهَا ويُبْطِلُ غَلَّتَهَا» (٣).

في هذا المثال جعل الزَّجَّاجُ (ت:٣١١) الحُسْبَانَ: جمع الحِسَابِ، والصَّحيحُ أنَّه جمعٌ، واحدتُه: حُسبانة، وهي المرامي.

ويلاحظُ في هذا المثالِ أنَّ لفظَ «حِسَاب» ولفظَ «حُسْبَانَة» مفترقان في الرسمِ، وقد اتفقا في الجمعِ على صيغةٍ واحدةٍ، وهي الحُسْبَانُ، وهذا ما أحدثَ ذلك الخلافَ في تفسيرِ هذه اللَّفظةِ، وهذا يعني أنَّ هذا المبحثَ مرتبطٌ بمبحثِ المشتركِ اللَّفظيِّ من هذه الجِهَةِ، واللهُ أعلمُ.

والأمثلةُ لهذا المبحثِ كثيرةٌ (٤)، وسأذكرُ منها ما يلي:


= غرائب التفسير، من قسم العجيب الذي فيه أدنى خَلَلٍ ونَظَرٍ (٢:٦٣٦)، ونسبه البغوي في تفسيره، تحقيق: خالد العك، ومروان سرور (٣:١٢٦)، إلى محمد بن كعب القرظي.
(١) معاني القرآن وإعرابه (٣:٢٩٠).
(٢) الحُسْبَانُ في قولِهم: المَرَامي. ينظر: تهذيب اللغة (٤:٣٣٢).
(٣) تهذيب اللغة (٤:٣٣٢). وقد فسر السلف هذه الآية بمثل ما ذكره عن الأخفش وابن الأعرابي وابن شميل، ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٥:٢٤٨ - ٢٤٩).
(٤) هذا المبحثُ وما سبقه من المباحثِ مما يصلحُ لتوسيع البحثِ فيه لكثرةِ الأمثلةِ التطبيقيَّةِ التي يمكنُ أن يُدرِّسها من أرادَ التفسير، ويجعلها مادَّةً للنقاشِ مع طلاَّبِه.

<<  <   >  >>