للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الانحرافاتُ في عهدِ الصَّحابةِ، ثمَّ ظهرتْ في عهدِ التَّابعينَ بدعةُ الجَهْمِيَّةِ (١)، ثمَّ المُعْتَزِلَةِ والمُرْجِئَةِ (٢).

وليس المرادُ هاهنا رصدَ هذه الحركاتِ، وإنما المرادُ التَّنبيه على أن هذه الحركاتِ كانَ لها آثارٌ في تفسيرِ القرآنِ، وكانتْ قدْ بَنَتْ تفسيرَه على ما تعتقدُه، فأظهرَ ذلكَ انحرافاً في التَّفسيرِ، وكانَ من جملتِهِ التَّفسيرُ اللُّغويُّ.

ويمكنُ للدَّارسِ لهذه الحركاتِ أنْ يَلْحَظَ بعضَ الأسبابِ في ظهورِها، ومنها:

١ - دخولُ بعضِ الكفَّارِ في الإسلامِ ظاهراً، والكيدُ له في الباطنِ؛ كعبدِ اللهِ بنِ سَبَإٍ اليهوديِّ (٣)، الذي كانَ له أثرٌ واضحٌ في الأُمَّةِ، وكانَ منْ آثارِهِ التي بقيتْ: عقيدةُ الرَّفْضِ، التي صارتْ تُلقَّبُ بالشِّيعَةِ.

وقدْ سلكَ هذا السبيلَ الزَّنادقةُ (٤) الذين عاشوا في ظِلِّ الإسلامِ وتظاهروا به، وكانوا فريقين:


(١) نسبة إلى الجهم بن صفوان، وقد ظهرت هذه البدعة في آخر عهد بني أمية، ولهم أقوالٌ شنيعة في المعتقد؛ كفناء الجنة والنار، وإنكار صفات اللهِ؛ كعلوه على خلقه، وغير ذلك. ينظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، للملطي (ص:١١٠ - ١١٣)، والملل والنحل، للشهرستاني (ص:٨٦ - ٨٨).
(٢) المرجئة: الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، وأنَّ مجرد المعرفة إيمان، ولا يمكن أن يجتمع في القلب معرفة وكفر. ينظر: التنبيه والرد، للملطي (ص:٥٧، ١٥٥ - ١٦٤)، والملل والنحل، للشهرستاني (ص:١٣٩ - ١٤٦).
(٣) عبد الله بن سبأ، من يهود اليمن، دخل الإسلام للكيدِ لأهلِه، وقد استغلَّ قرابة علي بن أبي طالب، وأوصله إلى درجة الربوبية، فكاد عليٌّ أن يقتله، ولكنه تركه، ينظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص:٢٩)، وكشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، تحقيق: لطفي عبد البديع (٣:١٢٦).
(٤) الزنادقة هذا الاسم مما عُرِّبَ، وقد اختُلفَ في أصل وضعه ومعناه، فقيل: هم الدهرية: الذين يؤمنون بدوام الدهر وفاعليته، وقيل: هم المانوية الذين يبيحون المحارم وغيرها. =

<<  <   >  >>