للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما أُلزِم المناظِر منهم بأشياء باطلة في ذاتها، جرَّه إليها هذا الجدل العقيم، فالتزمها، وصارت له عقيدة يدافع عنها (١).

ومن الإلزامات الباطلة في هذه المناظرات، ما حُكِيَ عن أبي الهذيل العلاف (ت:٢٣٥) (٢) في انقطاعِ حركةِ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ، وأنهم يصيرونَ إلى سكونٍ دائمٍ، قال الشَّهْرَسْتَاني (ت:٥٤٨) (٣): «قوله: إنَّ حركاتِ أهلِ الخُلدَينِ تنقطعُ، وأنَّهم يصيرونَ إلى سكونٍ دائمٍ خموداً، وتجتمعُ اللَّذاتُ في ذلك السُّكونِ لأهلِ الجنَّةِ، وتجتمعُ الآلامُ في ذلك السُّكونِ لأهلِ النَّارِ.

وهذا قريبٌ منْ مذهبِ جَهْمٍ (٤)، إذ حكمَ بفناءِ الجنَّةِ والنَّارِ. وإنما التزم بذلك المذهبِ لأنَّه لما أُلْزِمَ في مسألةِ حدوثِ العَالَمِ: أنَّ الحوادثَ التي لا أوَّلَ لها كالحوادثِ التي لا آخرَ لها، إذْ كُلُّ واحدةٍ لا تتناهى.


=
التقليد أربح لك، والمقام على أثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى بك». تأويل مختلف الحديث (ص:٧٩).
(١) ومن ذلك ما حكاه ابن قتيبة (ت:٢٧٦) عن أبي الهذيل (ت:٢٣٥)، قال: «وحكيَ من خطئه في الاستطاعة أنه كان يقول: إن الفاعل في وقت فعله غير مستطيع لفعل آخر. وذلك أنهم ألزموه الاستطاعة مع الفعل بالإجماع، فقالوا: قد أجمع الناس على أن كل فاعل مستطيع في حال فعله، فالاستطاعة مع الفعل ثابت، واختلفوا في أنها قبله، فنحن على ما أجمعوا عليه، وعلى من ادَّعى أنها قبل الفعل الدليل. فلجأ إلى هذا القول». تأويل مختلف الحديث (ص:٦٥).
(٢) محمد بن الهذيل بن عبيد البصري، أبو الهذيل العلاف، شيخ الكلام، ورأس المعتزلة، صاحب التصانيف، كان ذا ذكاء بارع، وكان كثير المناظرةِ، مات سنة (٢٣٥)، وقيل غيرها. ينظر: تاريخ بغداد (٣:٣٦٦ - ٣٦٧)، سير أعلام النبلاء (١١:١٧٣).
(٣) محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، أبو الفتح، شيخ أهل الكلام والحكمة، متهم في عقيدته، وقد صنَّف في العلوم، ومن تصانيفه: نهاية الإقدام في علم الكلام، والملل والنحل، توفي سنة (٥٤٨)، ينظر: التحبير في المعجم الكبير، لأبي سعد السمعاني (٢:١٦٠ - ١٦٢)، وسير أعلام النبلاء (٢٠:٢٨٦ - ٢٨٨).
(٤) جهم بن صفوان، أبو محرز السمرقندي، الضالُّ المبتدعُ، رأس الجهميَّةِ، قُتِلَ سنة (١٢٨)، ينظر: الملل والنحل، للشهرستاني (ص:٨٦)، ولسان الميزان (٢:١٤٢).

<<  <   >  >>