للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالدَّارمِيِّ (ت:٢٨٠) الذي قالَ: «قد عَلِمتَ أيها المريسي أنَّ هذه تفاسيرُ مقلوبةٌ، خارجةٌ عن كُلِّ معقولٍ، لا يعقِلُهُ إلاَّ كلُّ جهولٍ. فإذا ادَّعَيتَ: أن اليَدَ قد عُرِفتْ في كلامِ العربِ أنها نعمةٌ وقُوَّةٌ. قلنا لكَ: أجلْ، ولسنا بتفسيرِها منك أجهلَ، غيرَ أنَّ تفسيرَ ذلك يستبينُ في سياقِ كلامِ المتكلمِ حتى لا يحتاجُ له من مثلِكِ إلى تفسيرٍ.

إذا قالَ الرَّجُلُ: لفلانٍ عندي يَدٌ أكافئه عليها. عَلِمَ كُلُّ عالمٍ بالكلامِ أنَّ يَدَ فلانٍ ليستْ ببائنةٍ منه موضوعةً عند المتكلمِ، وإنما يرادُ بها النِّعْمَةُ التي يشكرُ عليها.

وكذلكَ إذا قالَ: فلان له يدٌ أو عَضُدٌ أو ناصرٌ، عَلِمْنَا أنَّ فلاناً لا يمكنُه أنْ يكونَ نفسَ يَدِهِ عُضْوُهُ أو عَضُدُهُ، فإنما عَنَى به النُّصْرَةَ والمعونة والتَّقويةَ.

فإذا قالَ: ضربني فلانٌ بيدِهِ، وأعطاني الشَّيءَ بيدِه، وكتبَ لي بيدِهِ، استحالَ أنْ يقالَ: ضربني بنعمتِهِ. وعَلِمَ كُلُّ عالمٍ بالكلامِ أنها اليَدُ التي بها يضربُ، وبها يكتبُ، وبها يُعْطِي، لا النِّعمةُ ... ولا يجوزُ لك أيها المريسي أن تَنْفِيَ اليَدَ التي هي اليَدُ، لما أنَّه وُجِدَ في كلامِ العربِ أنَّ اليَدَ قدْ تكونُ نعمةً وقوَّةً» (١).

٣ - وفي قولِه تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤]، حُكِيَ عن بعضِ المعتزلةِ أنَّه منَ الكلْمِ، ويكون المعنى: «وجَرَّح اللهُ موسى بأظافرِ المِحَنِ ومخالبِ الفتنِ» (٢).

وإنما جَعَلَ هذا المحرِّفُ اللَّفظ من مادة الكَلْمِ لا الكلامِ، هروباً من


(١) الرد على بشر المريسي (ص:٣٩).
(٢) ينظر: الكشاف، وحاشية ابن المنير (١:٥٨٢)، والتفسير الكبير، للرازي (١١:٨٧)، ونسبه ابن القيم إلى الجهمية، ينظر: الصواعق المرسلة (١:٢١٧).

<<  <   >  >>