للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا مع أن ما ذهبوا إليه من أن الخطاب في قوله تعالى: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} للكفار، وما بنوا على ذلك من نتيجة، مخالفٌ للواقع؛ لأن الذين خوطبوا بهذا مقرُّون بأن الله خالقُهم وخالقُ السموات والأرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخِلْقَةَ، وهم عارفون بها (١).

٣ - وفي قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب: ٧٢] تقديراتٌ تُخْرِجُ اللفظَ عن ظاهرِه، وكلُّ ذلك بسببِ مقدماتٍ عقليةٍ بحتةٍ في إحساسِ الجمادِ وعَقْلِهِ، وأنه مما لا يَقَعُ عليه التَّكليفُ، ولا يَصْدُرُ منه ما يختصُّ بالمخيَّرِ المُكَلَّفِ؛ كالتسبيحِ، والسجودِ، والقولِ، وغيرِها.

ومن التأويلاتِ التي ذَكَرَوها في هذه الآية:

* أنَّ في الآيةِ حذفاً، وتقديرُه: إنَّا عرضنا الأمانةَ على أهلِ السمواتِ والأرضِ والجبالِ (٢).

* قال ابنُ الأنباريِّ (ت:٣٢٨): «قال بعضُ الناسِ: لو كانتِ الأمانةُ يجوزُ أنْ تُعْرَضَ على السمواتِ والأرضِ والجبالِ، لكانتْ تَابَى تَحَمُّلَها، ولكنَّها مَوَاتٌ لا تعقلُ، والأمانةُ لا تُعْرَضُ على ما لا يعقلُ.

وقال: هذا من بابِ المجازِ؛ كقولِ العربِ: شكا إليَّ بعيري طولَ


(١) ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٣:٢٤٢).
وقد أبعد قوم في التَّأويل، فقالوا: تسبيحه: حَمْلُه غيرَه على التَّسبيح إذا تأمَّل فيه وتدبَّر. غرائب التفسير، للكرماني (١:٦٢٨)، وينظر: النكت والعيون للماوردي (٣:٢٤٥).
وهذا فيه بُعدٌ ظاهرٌ، وغرابةٌ لا تخفى على من اطَّلع على تفسير القرآن الميسَّر للفهم.
(٢) ينظر: الأضداد، لابن الأنباري (ص:٣٩١)، وتلخيص البيان في مجازات القرآن، للشريف الرضي (ص:٢٢١)، ومتشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار، فقد ذكره عن الجبائي (٢:٥٦٧)، وأمالي الشريف المرتضى (٢:٣٠٩).

<<  <   >  >>