للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَحْكُمُ بأنهم كذلك، كما تقولُ: قد أخرجكم الله من ذا الأمر. ولم تكنْ فيه قَطُّ، وتقولُ: أخرجني فلانٌ من الكتبةِ، ولم تكنْ فيها قَطُّ؛ أي: لم يجعلْني من أهلِها ولا فيها» (١).

وفي هذا هروبٌ منْ أنَّ اللهَ سبحانه خَلَقَ الإيمانَ في قَلْبِ العَبْدِ؛ لأنَّ المعتزلَة لا يرون ذلك (٢). وعلى هذا التَّأوُّلِ لا يكونَ ثَمَّ خَلْقٌ للإيمانِ، وفيه خروجٌ بدلالةِ أَفْعل إلى معنى الوجودِ، وهذه الدِّلالةُ، وإنْ كانتْ مِنْ دَلاَلاَتِ أفْعَل، إلاَّ أنَّ هذا الموضعَ لا يحتمِلُها، بلِ الصَّوابُ جعلُها على ظاهِرها.

قال الزَّجاج (ت:٣١١): «أي: يُخرجُهم مِنْ ظلماتِ الجَهَالَةِ إلى نُورِ الهُدى؛ لأنَّ أمرَ الضَّلالةِ غيرُ بَيِّنٍ، وأمرَ الهدى واضحٌ كبيانِ النُّورِ.

وقدْ قالَ قومٌ: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: يحكمُ لهم بأنهم خارجونَ من الظلماتِ إلى النُّورِ، وهذا ليسَ قولٌ أهلِ التَّفسيرِ، ولا قولُ أكثرِ أهلِ اللُّغةِ، إنما قالَه الأخفشُ وَحْدَهُ» (٣).

٣ - ومن التحريفِ في الصِّيغِ، ما نُقِلَ عن أبي مسلمٍ محمدِ بنِ بَحْرٍ الأصفهانيِّ المعتزليِّ (ت:٣٢٢) (٤) في تفسير قولِه تعالى: {زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢]، حيثُ جعل «زُيِّنَ» في مثل هذا لا يحتاجُ إلى فاعلٍ؛ كالأفعالِ المذكورةِ في باب فُعِلَ مما لا يحتاجُ إلى فاعلٍ؛ كأُعجِبَ وجُنَّ وزُهِيَ وعُنِيَ، وغيرها مما في هذا البابِ (٥).


(١) معاني القرآن، للأخفش (١:١٩٦).
(٢) ينظر: متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار (١:١٣٣)، وأمالي الشريف المرتضى (٢:١٤)، ولهم في الآية توجيهات أخرى.
(٣) معاني القرآن وإعرابه (١:٣٣٩).
(٤) محمد بن بحر، أبو مسلم الأصفهاني، الكاتب المعتزلي، عالم بالتفسير وغيره من صنوف العلم، وله في التفسير: جامع التأويل لمحكم التنْزيل، توفي سنة (٣٢٢)، ينظر: معجم الأدباء (١٨:٣٥ - ٣٨)، ومعجم المفسرين (٢:٤٩٨).
(٥) غرائب التفسير، للكرماني (١:٣٨٣).

<<  <   >  >>