للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء هم الذين وردَ عنهم التَّفسيرُ، وهم صحابيٌّ وتابعيان، ومعَ ذلكَ لم يقبلْ ثَعْلَبٌ (ت:٢٩١) قولَهم في اللُّغةِ، وقال: «ليس في كلامِ العربِ، والتَّفسيرُ مُسَلَّمٌ لأهلِ التَّفسيرِ».

فإن لم يكن هذا التفسيرُ من لغةِ العربِ، فمن أين جاء به هؤلاءِ المفسِّرون.

إنَّ عبارةَ ثعلبٍ (ت:٢٩١) هذه = تُشْعِرُ بأنَّ قولَ أهلِ التَّفسيرِ حجةٌ على أهلِ التَّفسيرِ لا غيرَ، أمَّا اللُّغويونَ فلا، وهذا فيه نَظَرٌ، وإنَّما صدرَ منه مثل هذا لِعَدَمِ اعتبارِه بما جاءَ عنِ السَّلفِ في نَقْلِ اللُّغةِ.

وأصرحُ منه في ردَّ ما جاء عن السلفِ، ابنُ دَرَسْتَوَيه (ت:٣٤٧) (١)، حيث قال: «وأما قولُه (٢): أَخْنَسْتُ عنِ الرَّجُلِ حَقَّهُ، فإنما جاء على أَفْعَل، بألف، لِنَقلكَ الفِعْلَ إليك من الحق وتصييرك الحق مفعولاً، وكان في الأصل فاعلاً، ألا ترى أنكَ تقولُ: خَنَسَ عنه حَقُّهُ: إذا تأخَّر. ثم تقول: أَخْنَسْتُ أنا الحَقَّ عنه؛ أي: جعلتُه متأخراً، وهذا مُطَّرِدٌّ في بابه.

ولا معنى لقولِه: سَتَرْتُهُ عنه، ولو كانَ فيه معنى سَتَرْتُهُ، لقيلَ في كلِّ مستورٍ: أَخْنَسْتُهُ (٣). وإنما هذا تفسيرٌ أُخِذَ عن رواةِ تفسيرِ القرآنِ في قولِ اللهِ عزّ وجل: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: ١٥، ١٦]: أنها الكواكبُ المُسْتَتِرَةُ التي لا تظهرُ. وإنما قيلَ لها: الخُنَّسُ؛ لقصورِها في السَّيرِ


(١) عبد الله بن جعفر بن درستويه، أبو محمد النحوي، أخذ عن المبرد وابن قتيبة وغيرهما، وكان شديد الانتصار للبصريين، له كتاب التوسط بين الأخفش وثعلب في تفسير القرآن، وغيره من التصانيف الجياد، توفي سنة (٣٤٧). ينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص:١١٦)، وإنباه الرواة (٢:١١٣ - ١١٤).
(٢) يعني صاحب الفصيح.
(٣) هذا الردُّ غيرُ لازمٍ؛ لأنَّ بعضَ الدلالات يكونُ خاصًّا بلفظٍ دون غيرِه، وهو ما يُعرفُ بالفروقِ اللغويةِ، فمثلاً: ليس كل جلوسٍ قعوداً، بل هذا يخصُّ حالةً، وذاك يخصُّ أخرى.

<<  <   >  >>