للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: أنْ ترجعَ الأقوالُ إلى أكثرَ من معنًى بينها تَضَادٌّ:

ومنْ ذلكَ اختلافُهم في المَعْنِي بقولِه تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: ٦]، قالَ ابنُ عباسٍ (ت:٦٨) وابنُ إسحاقَ (ت:١٥٠): هم المؤمنونَ، وقالَ ابنُ زيدٍ (ت:١٨٢): هم المشركونَ (١).

وهذا فيه تَضَادٌّ؛ لأنَّ المُجَادلَ إحدى الطائفتينَ لا كلاهما، ولا يمكنُ في هذا أنْ يُحمَلَ على القولينِ معاً.

ومنَ الأمثلةِ: تفسيرُ لفظِ القُرْءِ، والمَسْجورِ، وسُجِّرَتْ، وَعَسْعَسَ، والصَّرِيمِ، وَوَرَاءَ، وغيرِها من الألفاظِ القرآنِيَّة التي تذكرُها كتبُ الأضدادِ (٢).

ويلاحظُ أنَّه قدْ يجوزُ في بعضِ أمثلةِ التَّضَادِّ أنْ تُحملَ الآيةُ عليهما، لسببٍ يحيطُ بالمثالِ ذاتِه، ولا يصلحُ هذا السببُ لغيرِه، وذلكَ مثلُ قولِه تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: ١٧].

قيل: إنَّه قَسَمٌ بإقبالِ اللَّيلِ.

وقيل: إنَّهُ قَسَمٌ بإدبارِهِ (٣).

وهذا فيه تضادٌّ، غيرَ أنه يجوزُ أنْ تحتملَ الآيةُ هذين المعنيين لاختلافِ محلِّ كلِّ واحدٍ منهما، فالأوَّلُ في أوَّلِ الليلِ، والثاني في آخرِه؛ أي أنَّ زمانَ القَسَمِ في كلِّ قولٍ مختلفٌ عن الآخرِ.

ومن أمثلةِ المتضادِّ الذي لا يمكنُ أنْ تحتملَهما الآيةُ معاً: لفظُ القُرْءِ.

قيل: هو الطُّهْرُ.

وقيل: هو الحَيضُ (٤).


(١) ينظر: تفسير الطبري، ط (٩:١٨٣).
(٢) سبق ذكر بعضِ الأمثلةِ في الفصل الأول من هذا الباب.
(٣) سبق ذكر هذا المثال، وذكر من قاله به من العلماء.
(٤) سبق ذكر هذا المثالِ، وذكرُ من قالَ به من علماء السلفِ.

<<  <   >  >>