للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصودُ أنَّ المفسِّرَ إذا جَهِلَ سَبَبَ النُّزولِ، فإنَّه قدْ يَحْمِلُ الآيةَ على مُحْتَمَلٍ لُغَويِّ، ويكونُ المعنى اللُّغويُّ الذي فسَّرَ به غيرَ مقصودٍ، ودليلُ عَدَمِ قَصْدِهِ سببُ النُّزولِ، أو قصَّةُ الآيةِ (١). ومنْ أمثلةِ ذلكَ:

ما وردَ في تفسيرِ تثبيتِ الأقدامِ من قولِ اللهِ تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: ١١]، قالَ أبو عبيدةَ (ت:٢١٠): «مجازه: يُفرِغ عليهم الصبر، ويُنْزِلُه عليهم، فيثبتون لعدوِّهم» (٢).

وقِصَّةُ نزولِ الآيةِ تدلُّ على أنَّ المعنى اللُّغويَّ الَّذي ذَكَرَه غيرُ مرادٍ، وأنَّ المُرادَ: يُثَبِّتُ أقدامَهم التي يمشونَ بها على الرَّمْلِ كي لا تَسوخَ فيه، كما وردتْ بذلكَ الرِّوايةُ عنِ السَّلَفِ، منها ما قالَ ابنُ عباسٍ (ت:٦٨): «وذلك أنَّ المشركينَ من قريشٍ لما خرجوا لينصروا العيرَ ويقاتلوا عنها، نزلوا على الماءِ يومَ بدرٍ، فغلبوا المؤمنينَ عليه فأصابَ المؤمنينَ الظَّمأُ، فجعلوا يُصَلُّونَ مُجنِبين مُحدثينَ، حتى تعاظَم ذلك في صدورِ أصحابِ رسول صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل اللهُ من السَّماءِ ماءً حتى سالَ الوادي، فشرِبَ المسلمونَ، وملأوا الأسقيةَ، وسَقَوا الرِّكابَ، واغتسلوا من الجنابةِ، فجعلَ اللهُ في ذلكَ طهوراً، وثبَّتَ الأقدامَ وذلكَ أنه كانت بينهم وبين القومِ رَمْلَةٌ، فبعث اللهُ عليها مطراً، فضربها حتَّى اشْتدَّتْ، وثبتتْ عليها الأقدامُ» (٣).

قالَ الطَّبريُّ (ت:٣١٠): «وقد زعمَ بعضُ أهلِ العِلْمِ بالغريبِ من أهلِ


(١) سبق ذكر مثال في الفصل الأول من هذا الباب، وهو تفسير قوله تعالى: ... {وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}.
(٢) مجاز القرآن (١:٢٤٢).
(٣) ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٣:٤٢٤).
ثمَّ ينظر الرواية عن: عروة بن الزبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي، وابن إسحاق، وابن زيد في تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٣:٤٢٤ - ٤٢٧)، وتفسير ابن أبي حاتم (٥:١٦٦٥ - ١٦٦٧).

<<  <   >  >>