فالتواضع، وأما البلاء فالكبر.
وقال بعض الحكماء: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء، فأنبل بحسنة غطت على سيئتين، وأقبح بسيئة غطت على حسنتين، فالكبر هو ظن الإنسان بنفسه أنه أكبر من غيره، والتكبر: إظهار لذلك وهذه صفة لا يستحقها إلا اللَّه تعالى، ومن ادعاها من المخلوقين فهو فيها كاذب، ولذلك
صار مدحًا في حق الباري - عز وجل - وذمًّا في البشر، وإنما شرف المخلوق في إظهار العبودية، كما قال تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)
تنبيهًا على أن ذلك لهم رفعة لا ضعة، والتكبر والضرع كلاهما جاهلان، لكن الضرع غبي والتكبر غبي أحمق، وشتان ما بينهما، فالغبي قد يتأدب، والأحمق لا سبيل له إلى تأديبه، ولأن الضرع قد ترك ما له، والتكبر ادعى ما ليس له، وشتان ما بين المنزلتين، ولأن الكبر يتولد من الإعجاب، والإعجاب من الجهل بحقيقة المحاسن، والجهل رأس الانسلاخ من
الإنسانية، ومن الكبر الامتناع من قبول الحق، ولذلك عظم اللَّه تعالى أمره فقال: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)
وقال تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠)
وقال: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
وقال: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يقول اللَّه - عز وجل -: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في نار جهنم "، وقد نبَّه - عز وجل - على مبلغ فعله أحسن تنبيه فقال: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (٣٧)
وأقبح كبر يين الناس ما كان معه بخل، ولذلك قال
عليه الصلاة والسلام: " خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل والكبر " واستحسن قول الشاعر:
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما ... تيه الملوك وأفعال المماليك
ومن تكبر لرياسة نالها دل ذلك على دناءة عنصره، ومن تفكر في تركيب ذاته، فعرف مبدأه ومنتهاه وأوساطه عرف نقصه، ورفض كبره، وقد نبه اللَّه - عز وجل - على ذلك أحسن تنبيه بقوله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)