وبقوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩)
ثم قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)
وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧)
وإلى هذا المعنى نظر مطرف بن عبد الله بن الشخير لما قال ليزيد بن المهلب: أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، وأخذ ذلك الشاعر فقال:
كيف يزهي من رجيعه ... أبد الدهر ضجيعه
وقال غيره:
يا قريب العهد بالمخرج لم لا تتواضع. فمن كان تكبره لقنيته فليعلم أن
ذلك ظل زائل وعارية مستردة.
والاستطالة: إظهار الطول فمن أظهر ذلك من غير طوق فهو منسلخ عن الإنسانية ومن أظهر ذلك مع الطول فقد ضيع طوله. والصلف: يقال اعتبارًا بميل في عنقه.
والصعر: بميل في خده، ولذلك استعمل في ذلك قي الرأس نحو قوله تعالى: (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) .
والباء: استقصاء في النفس بالترفع عن الانقياد للواجب،
والخيلاء: أن يظن بنفسه ما ليس فيها من قولهم: خلت، ولتصور هذا المعنى قال حكيم: إعجاب المرء بنفسه أن يظن بها ما ليس فيها مع ضعف قوة فيظهر فرحه بها.
والزهو: هو الاستخفاف من الفرح بنفسه، وأما العزة: فالترفع بنفسه عما يلحقه غضاضة، وأصلها من العزاز، وهي الأرض الصلبة، والعزاز: حصوله في عزاز لا يلحقه فيه غضاضة كالمتظلف في كونه في ظلف من الأرض لا يلحقه فيه مذلة،
والعزة: منزلة شريفة وهي نتيجة معرفة الإنسان بقدر نفسه وإكرامها عن الضراعة للأعراض الدنيوية، كما أن الكبر نتيجة جهل الإنسان بقدر نفسه وإنزالها فوق منزلتها.
وكثيرًا ما يتصور أحدهما بصورة الآخر، كتصور التواضع والتضرع والتذلل بصورة واحدة، وتصور الإسراف بصورة الجود، وتصور البخل بصورة الحزم، ولهذا قال الحسن - رحمه اللَّه تعالى - لمن قال له: ما أعظمك في نفسك، فقال: لست بعظيم ولكني عزيز، وقد قال اللَّه تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)