وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه في القاضي يعزل على جور.
فروع:
الفرع الأول: في تمييز الحكم عما ليس بحكم.
وما قضى به الحاكم من نقل الأملاك وفسخ العقود ونحو ذلك، فلا شك في كونه حكمًا. فأما إن لم يكن تأثير القاضي في الحادثة أكثر من إقرارها لما رفعت إليه، مثل أن يرفع إليه نكاح امرأة زوجت نفسها بغير ولي، فأقره وأجازه، ثم عزل وجاء غيره، فهذا ما اختلف فيه: فقال ابن الماجشون: ذلك ليس بحكم، ولمن يأتي بعده أن يفسخه. وقال ابن القاسم: طريقة طريق الحكم، وإمضاؤه والإقرار عليه كالحكم بإجازته، ولا سبيل إلى نقضه.
واختاره أبو القاسم بن محرز قال: لأنه حكم في عين (باجتهاده)، ولا فرق بينة أن يكون حكمه بإمضاء أو فسخ. وأما لو رفع هذا النكاح إلى قاضي فقال: أنا لا أجيز النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخ هذا النكاح بعينه، فإن هذا ليس بحكم، ولكنه فتوى، ويكون لمن يأتي بعده أن يستقبل النظر فيه. وكذا لو رفع إليه حكم بشاهد ويمين، فقال: أنا لا أجيز الشاهد واليمين مطلقًا، هكذا، لكان سبيل ذلك سبيل الفتوى ما لم يوقع حكمه على عين الحكم. قال:(وما) أعلم في هذا الوجه اختلافًا.
وإن كان حكم الأول باجتهاد فيما طريقه التحليل والتحريم، ليس نقل ملك من أحد الخصمين إلى الآخر، ولا فصل خصومة بينهما، ولا إثبات عقد بينهما ولا فسخه، مثل أن يرفع إلى قاض رضاع كبير، فحكم بأن رضاع الكبير يحرم ويفسخ النكاح من أجله، ف القدر الذي ثبت من حكمه هو فسخ النكاح فحسب، وأما تحريمها عليه في المستقبل فإنه لا يثبت بحكمه، بل يبقى (ذلك) معرضًا للاجتهاد فيه.
وكذلك لو رفع إليه حال امرأة نكحت في عدتها ففسخ نكاحها وحرمها على زوجها، لكان القدر الذي ثبت من حكمه فسخ النكاح فحسب، وأما تحريمها في المستقبل فمعرض للاجتهاد.
ومن هذا الوجه أن يحكم بنجاسة ماء أو طعام أو شراب، أو تحريم بيع أو نكاح أو إجارة، فإنه لا يثبت حكم في ذلك الجنس من العقود ولا المبايعات على التأييد، وإنما له أن يعين من ذلك ما شاهده وما حدث بعد ذلك، فهو معرض لمن يأتي من الحكام والفقهاء.