الفرع السابع: إذا شهد شاهدان على رجل بأن قد قذف رجلاً، فحد المشهود عليه بشهادتهما، ثم رجعا وأكذبا أنفسهما، فقال سحنون: لا غرم في ذلك ولا قود عند جميع أصحابنا، وإنما في ذلك الأدب. وكذلك لو شهد بأنه شتمه أو لطمه أو ضربه سوطًا، ثم رجعا بعد الحكم، بها فإنما في ذلك الأدب. قال بعض المتأخرين: لأنهما لم يتلفا مالاً فيغرماه، ولا نفسًا بتعمده شهادة الزور [فيطلبان] بديتها عند ابن القاسم، أو بالقصاص عند أشهد.
الفرع الثامن: إذا ادعى المقتضي عليه أن الشهادتين عليه رجعا عن شهادتهما وقالا: شهدنا بزور، وطلب إقامة البينة مكن منه، فإن أقامها قضي عليهما بالمال.
وكذلك في قيام البينة برجوع أحدهما يغرم نصف المال، فإن طلب يمينهما أنهما لم يرجعا، ففي إلزامهما اليمين له قولان:
الأول: رواية ابن سحنون عن أبيه، قال: إذا أتى بلطخ يوجب عليهما اليمين.
والثاني: لمحمد بن عبد الحكم.
ولو رجعا عن الرجوع لم يقالا، بل يقضي عليهما بما يقضي به على الراجع المتمادي في رجوعه. ووجه ذلك أن رجوع الشاهد عن شهادته ليس بشهادة، وإنما هو إقرار على نفسه بما أتلف بشهادته، وقد نص على ذلك محمد، وكان عن ابن القاسم وعبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ، وعليه يخرج قول سحنون في استحلاف الشاهد إذا ادعى عليه بالرجوع فنكل.
الفرع التاسع: في ذكر ما يلحق برجوع الشهود، وهو ظهور كذبهم وإن لم يعترفوا بالكذب، وفي ذلك صور:
الأولى: إذا شهد شاهدان على رجل أنه قتل ابن رجل عمدًا، فحكم له بالقصاص وقتل المشهود عليه بأنه قاتل، ثم قدم الابن حيًا بعد ذلك، وتبين كذب الشهود، فذكر الإمام أبو عبد الله أن المذهب لم يختلف في تعلق الغرامة بالشهود، وإنما الخلاف في البداية والترتيب في الغرم وفي رجوع من غرم بما غرم على من لم يغرم. والذي أشار إليه هو أن ابن القاسم وسحنون قالا: تؤخذ الدية من الشهود إلا أن يكونوا فقراء فتؤخذ من الأب القاتل.
وروي نفي الترتيب، وأن ولي الدم يخير: إن شاء اتبع بالدية الشاهدين، وإن شاء اتبع بها الولي القاتل. ثم إن اتبع الشهود فليس له العدوان عنهم إلا أن يجدهم فقراء، وإن ابتدأ باتباع القاتل لم يكن له العدول عنه مليًا كان أو فقيرًا. وروي أيضًا أنه لا يرجع على الولي بشيء، وأما الرجوع فقال سحنون: من غرم لا يرجع على غيره بما غرم، كان ولي الدم أو الشهود.