وأما المعنى، فلما في ذلك من صيانة أهل الفضل والمنزلة عن البذلة وكف الأطراف عنهم.
فأما الحديث المنقول بدون الزيادة [المذكورة] في الحديث الذي استدللنا به، وإن كان هو الأشهر من حيث النقل، فإنه لم يرد لإرادة باين العموم والاستغراق لمن تجب عليه اليمين أو لخصوصه، وظهور هذا القصد فيه يمنع من التعلق بعمومه، إذ المعتمد في المفهوم من ألفاظ العموم وشبهها ما يظهر من قصد (مطلقها)، لا [مجرد] صيغة العموم، ولهذا المعنى قلنا في قوله صلى الله عليه وسلم:"فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنصح أو دالية نصف العشر": "إن المقصود منه تمييز النوعين، وتخصيص كل واحد منهم بحكم، الاستغراق في مقتضى الصيغة ولذلك لم نعمم الحكم في الجنس ولا في القدر.
فإن قال قائل: إن هذا لا يمنع من التعلق به في الجملة، فلا [يمكنه] أن يجحد ضعفه لما ذكرناه، فإذا تنزلنا على صحة التعلق به مع ضعفه خصصناه بالمعنى الجلي في صيانة الأعراض كما تقدم. ثم الحديث الذي استدللنا به يقضي (عليه)، على جميع الأحوال، بالاتفاق، لتقييده وإطلاق هذا.
وأما المرتبة الثالثة: فمثالها أن يكون رجل حائزاً لدار يتصرف فيها مدة السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة والعمارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، هو مع ذلك لا يعارضه ولا يذكر أن له فيها حقًا، ولا مانع يمنعه مطالبته من خوف [سلطان]، أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في (ميراث)، (و) ما أشبه ذلك مما يتسامح به القرابات والصهر بينهم في إضافة أخذهم أموال الشركة إلى نفسه، ولا منعته غيبة، بل كان عرياً عن ذلك أجمع، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه ويزعم