قال الإمام أبو عبد الله: ومقتضى كونه مفيتاً في المكيل والموزون أن تؤخذ عنه القيمة إذا وقع الفسخ. وإنما كان تغير السوق مفيتاً للمعادلة بين المتبايعين لنفي الضرر عنهما، إذ لو قضينا بالرد بعد تغير السوق لخصصنا أحدهما بالضرر، مع اشتراكهما في سبب الفسخ ودخولهما فيه دخولاً واحداً. وبهذا يفارق الرد بالعيب.
وأما السبب الثالث، وهو خروج المبيع عن اليد بالبيع، فهو عامل في أنواع المبيعات بأسرها، فمن اشترى شيئاً منها شراء فاسداً فقبضه ثم باعه بيعاً صحيحاً، فإن بيعه له ينفذ، ويكون فوتاً يمنع من الرد لكون البائع سلم المبيع للمبتاع، وقد أذن له في التصرف فيه، ومن التصرف في بيعه. ولو قدر أن الملك لم ينتقل ولا شبهته لكان ينبغي أن ينفذ هذا العقد الثاني لكون البائع أذن فيه وسلط عليه.
قال الإمام أبو عبد الله: ومقتضى ما تقدم لسحنون في البيع المتفق على فساده من أنه يضمن ضمان الرهان، لا لشبهة الملك فيتقضي أن ينقض هذا البيع الثاني، لأنه عنده كبيع المرتهن، فأما البيع المختلف في فساده لاختلاف طرق الاجتهاد فيه فلا يخالف فيه. هذا حكم البيع بعد القبض.
فأما لو باع ما اشتراه شراء فاسداً قبل قبضه، فقد رأى المتأخرون أن المذهب في نفوذ بيعه له وهو في يد بائعه منه، وكونه قوتاً على قولين.
قالوا: وكذلك عكسه، وهو أن يبيع البائع ما باعه بيعاً فاسداً بعد قبض من اشتراه الشراء الفاسد له، وجعلوا سبب الخلاف كون البيع الفاسد نقل شبهة ملك أم لا؟
وأما السبب الرابع، وهو تعلق حق غير البائع والمبتاع بهذا المبيع بيعاً فاسداً، وذلك كرهن السلعة وإجارتها، وإخدامها إن كانت حيواناً ووقعت الخدمة إلى أجل محدود، حتى تجري مجرى الإجارة في حكم الفوت، فهو عامل أيضاً في الأنواع الأربعة.
هذه الأسباب العامة للفوت. وقد وقع للأصحاب النص على أسباب آخر، بعضها يرجع إلى هذه الأربعة، وبعضهل يؤخذ من تعليلها ويقرب منها، فذكرناها لتكمل الفائدة بذكرها.
منها: مجرد طول زمان يمر على الحيوان ولم يتغير في ذاته ولا سوقه، فاختلف فيه هل يكون فوتاً أم لا؟
ورأى الإمام أبو عبد الله أن المعتبر تغير البدن أو السوق. وإنما اعتبر طول الزمن لأنه لا يخلو عنه في العادة وصار الاختلاف في حد الزمن الدال بالعادة على ذلك.
ومنها نقل العروض أو المكيلات والموزونات من بلد إلى بلد لا يتأتى رده منه إليه في غالب العادة إلا بتكلف سفر وإجازة على حملها.
وهذا السبب يقرب من تغيير الأسواق بما يلحق من الغرامة في نقله وفي إعادته، فيقع