مخير بين أخذه بحكم الغرامة أو إمضاء البيع. وإن كان الخيار للمشتري فإن جنى عمداً فقد تقدم الخلاف هل يعد ذلك رضى بالبيع أم لا. ولو كان المبيع من الرقيق لنظرت هل ما فعله مثله فيعتق عليه أو ليس بمثله فلا يعتق؟ وإن كانت جناية خطأ فقال في الكتاب:((يرده إن شاء وما نقص. وإن كان عيباً مفسداً ضمن الثمن كله)). وقال سحنون: إنما يضمن بالقيمة.
وأجرى أبو القاسم بن محرز هذا الخلاف على الخلاف فيمن استهلك سلعة وقفت على ثمن، هل يضمن ثمنها أو إنما يضمن قيمتها؟
وإن كانت الجناية من أجنبي استوى الخطأ والعمد في الغرامة، وخير من له الخيار. فإن اختار إمضاء البيع فالأرش للبائع. وقال ابن حبيب: هو للمشتري.
قال الشيخ أبو الطاهر:((وهو على الخلاف في المترقبات متى بعد حصولها أيوم ترقبت أو يوم تحققت؟ فإن قيل: بماذا ينقطع الخيار؟ قلنا: بأن ينطق وينص على أحد الوجهين، أو يكون منعه على ما يدل على ذلك وهو على وجهين: ترك وفعل. فأما الترك فمثل إمساكه عن القول والفعل الدالين على تعيين أحد الوجهين إلى أن تمضي مدة الخيار، ولا يكون ممن له الخيار نطق ولا إحداث فعل، فإنه يستدل بتركه على قصده، فإن كان الخيار للبائع والسلعة في يده كان ذلك دليلاً على أنه اختار الفسخ، وإن كانت في يد المبتاع كان ترك ارتجاعها واستدعاء البائع لردها دليلاً على اختياره الإمضاء، كما أن تركه لها في يد بائعها دليل على اختيار الفسخ، فتبقى السلعة في يد من هي بيده)).
وأما الفعل، فإن أحدث المشترط للخيار فعلا في المبيع لم يخل من أحد أمرين: إما أن يدل في العادة على الإمضاء أو الرد. وإما أن يكون محتملاً ليس بظاهر الدلالة. فإن كان دالاً عمل بمقتضاه، وإن كان محتملاً بقي من له اختيار على حقه منه، ولم يسقط بالاحتمال إذ الأصل بقاؤه حتى يتحقق إسقاطه، فإن اتهم على أنه قصد الإسقاط استظهر عليه باليمين.
وقد قسم بعض المتأخرين الأفعال في ذلك على ثلاثة أقسام:
الأول: متفق على أنه يعد رضى كالعتق والكتابة والاستيلاد، وتزويج الأمة وأمثالها.
فهذه من المشتري تدل على الإمضاء، ومن البائع تدل على الفسخ.
القسم الثاني: لا يعد رضى باتفاق كاختبار الأعمال وشبهه فوجوده كعدمه.
القسم الثالث: مختلف فيه، وهو كرهن المبيع وإجارته وإسلامه للصنائع، وتزويج العبد والسوم بالسلعة، وشبه ذلك من المحتملات.