ثم حيث كان له الخيار فاختار ردها فليرد معها صاعاً من التمر للحديث وهو بدل عن اللبن كائن في الضرع لدى العقد لعسر تمييزه، ولدفع الخصومة فيه. فلو أراد أن يرد اللبن بعينه عوضاً عن الصاع المأمور به لم يكن له ذلك، لأن الصاع لم يجب لفوات اللبن، بل لما ذكرناها. بدليل أنه لم يضمن بالمثل. قاله ابن القاسم. ثم قال:((ولو وافق البائع المشتري على ذلك لم يصح إذ يدخله بيع الطعام قبل قبضه)). وقال سحنون: إذا رده بعينه فهي إقالة.
والإقالة في الطعام جائزة.
ثم قدر الصاع متعين، فلا يزاد عليه لكثرة اللبن وغزارته، ولا ينقص منه لقلته ونزارته، ولا يلتفت إلى غلائه ورخصه، بل قد قال بعض المتأخرين: إن كانت قيمته تساوي قيمة الشاة أو تزيد عليها، فظاهر المذهب أن عليه الإتيان به.
وأما جنس المخرج فقال القاضي أبو الوليد:((روى ابن القاسم (أنه يكون من غالب قوت البلد).
ووجهه: أنه قد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث في رواية ابن سيرين: صاعاً من طعام فيحمل تعيين صاع التمر في المشهورة على أنه كان غالب قوت ذلك البلد.
فرعان: الأول: إذا تعددت الماشية المصراة، فقال أحمد بن خالد الأندلسي فيما ذكر عنه: يكتفي فيه بصاع واحد لجميعها، كما اتخذ في لبن الناقة، وإن ساوى لبن عدة من الشاء. وقال أبو القاسم بن الكاتب: تتعدد الصيعان بتعدد الماشية. واعتبر ذلك بغرة الجنين، واعتذر من اتخاذ الصاع في لبن الناقة بأن الكثرة في لبنها مقابلة بالجودة في لبن الشاة.
الفرع الثاني: لو رضي بعيب التصرية، ثم رد بعيب آخر غيره، فقال محمد: لا يرد عوض ما حلب، ورأى قصر الحديث على ما ورد فيه. وذكر عن أشهب أنه يرد الصاع. ومال إليه بعض المتأخرين.
النظر الثاني: في مبطلات الخيار وموانعه. وهي صنفان:
الأول: ما يبطل الرد على الإطلاق. وذلك أمور أربعة.
الثاني: شرط البراءة من العيب. والمشهور من المذهب: جوازه والانتفاع به. وروي أنه لا ينتفع بالبراءة مطلقاً.