قال الإمام أبو عبد الله: من المتأخرين من يحكي هذه الرواية عن مالك حكاية مقيدة، فيقول: لم يختلف قلوه في جواز البراءة من العيب اليسير، ولا في ثبوت البراءة في بيع السلطان، ولا في سقوط عهدة الثلاث وعهد السنة في البيع الثابت فيه البراءة.
قال: وسبب هذا الاختلاف أن النهي ورد عن بيع الغرر واشتراط البائع على المشتري ألا يرد عليه بعيب يطلع عليه يتضمن عقد الشراء على مبيع غير معلوم ولا محاط به، وبيع ما لا تعلم حقيقته لا يختلف في منعه كبيع الإنسان ما في يده أو ما في نهره من الحيتان، لكون المشتري دخل على العبد المشتري إن وجده أعمى أصم أبكم لزمه الشراء بالثمن الذي بذل، وإن وجده على صفة كمال سالماً من العيوب كان ذلك له.
وأما وجه الجواز في الجملة فما أشار إليه ابن حبيب من حكم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما بإمضاء البيع المشترط فيه البراءة، ومن كون الضرورة قد تمس إلى ذلك وتدعو إليه الحاجة والمصلحة، فعفي عنه كما يعفى عن عقود تضمنت غرراً للضرورة الداعية إلى العفو عن ذلك.
وإذا فرعنا على المشهور، فهل يعم الانتفاع بشرط البراءة جميع المبيعات أو يتخصص ببعضها؟
ذكر ابن حبيب عن مالك أنه يعم جميع البياعات عرضاً كان المبيع أو حيواناً. وحكاه أيضاً عن ابن وهب، وحكاه غيره عن ابن كنانة.
وروي تخصيص حكم البراءة ببعض المبيعات. واختلف في تعيينه، فروي تخصيصه بالحيوان خاصة صامتاً كان أو ناطقاً، وهو مذهب الموطأ. وروي تخصيصه بالحيوان الناطق خاصة، وهو مذهب الكتاب.
وسبب هذا الاختلاف أن بيع البراءة إنما عفي عنه لاستواء البائع والمبتاع في الجهل