للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تدلنا هذه المناقشات من طرف آخر على أن القضية عندما تحدد بهذه الصبغة، لن يعدم العدو الافتئات على الحق، ولن يعدم توزيع التهم وتشويه الدعاة بأنهم يتلقون أفكارهم من أعدائهم (ولقد علمنا أن الذي يعلمك هذا رجل باليمامة اسمه الرحمن، ووالله لا نؤمن بالرحمن أبدا) وهم يعلمون مدى كذبهم في هذا الإدعاء، ويرون محمدا - صلى الله عليه وسلم - بين يديهم ليل نهار. ويعرفون مدخله ومخرجه وصلاته، وأعداء الله إذن حين يتهمون الدعاة بالعمالة أو التبعية الفكرية لغيرهم هم أعلم الناس بكذب ادعائهم ودعاواهم. وأخيرا نراهم يعلنون الحرب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يقدم هذه الأمور التعجيزية، (والله لنقاتلنك حتى تهلك أو نهلكنا). ولم يستجب لهذه المطالب. والدعاة إلى الله قد يفاجأون بمثل هذه المواقف. ويحرص العدو على أن يحرجهم أمام الناس إنهم متزمتون متعصبون، يريدون أن يحشروا الإسلام في كل قضية، فما علاقة الإسلام بالسياسة، ويتهمهم - كما نسمع الآن بعض روائح هذا الاتهام - بأنهم يعارضون التفاهم الوطني العام، ويصرون على أن يكونوا وحدهم في الحكم. وتضعف أحيانا نفوس الدعاة أمام هذا الاتهام، ويوجد في صفوفهم من يطالب قيادة الحركة الإسلامية بأن تكون لينة في مواقفها، وأن تبرز روح التقدم والتساهل مع الخصوم، لتثبت للعالم أنها غير متعصبة.

إننا في الحقيقة أمام قضيتين يحرص الاتجاه المعادي للإسلام أن يحصرنا بها:

القضية الأولى: أنه يقبل أشخاصنا دون فكرنا، يقبلنا شركاء في الحكم، وكأن هذا تسامحا منه وتقديرا وإكراما لنا.

القضية الثانية: أنه يقبل منا أفكارا عامة لا تحمل مسحة الإسلام، ولا تنطلق منه، كالحديث العائم عن الحرية والعدالة، وحقوق الشعب، ونصر الضعفاء، وتبني قضايا العمال والفلاحين إلى غير ذلك من الأطر. ولكن مجردة بعيدة عن الإسلام.

إنه يقبلنا بهاتين الصيغتين، وإلا فنحن متزمتون متعصبون. ويبرر حربه علينا لوجود هذا التعصب فينا. ونحن بحاجة إلى أن نعي هذه المناورة،

<<  <  ج: ص:  >  >>