بت فيها الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إن أي حكم تحت راية كافرة يشترك فيه المسلم من أجل المنصب فقط هو أمر مرفوض. إن البحث في هذه الأمور يتم بعد الاعتراف بالإسلام شرعا وحكما. أما قبل ذلك فلا، ومن أجل هذا رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ذلك قبل الاعتراف برسالته وبالكتاب المنزل عليه، وتطبيق مبادئه، والاحتكام إليه.
ثانيا: الأمور التي سألوها لمعرفة منزلته عند الله عز وجل: هي تسيير الجبال عن مكة وتفجير الأنهار فيها، ثم إحياء الموتى من زعمائهم، ثم مساءلتهم عن رسول الله ليشهدوا له بذلك. أو أن يكون له قصور وجنان، وأن يسقط السماء عليهم كسفا. وإن كان هذا الأمر لا يتكرر بهذه الصيغة اليوم لأنه لا يدعي أحد أنه رسول بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لكنه يعرض من حيث فحواه ومعناه في صيغة أخرى.
إن قيادات الكفر تطالب الحركة الإسلامية بأمور تعجيزية هي لا تملكها بالأصل، وتربط إيمانها وانصياعها لها بهذه الأمور. فالماديون ذوو الحس الغليظ يتسترون وراء هذه الأمور لتبرير كفرهم، وما تطرحه المبادىء المادية اليوم - شيوعية كانت أو علمانية - هي الأفكار السابقة، فتضفي عليها ثوبا فلسفيا أو ثوبا علميا لتبرر موقفها الكافر.
إنهم يرفضون فكرة الإيمان باليوم الآخر، لأنهم لا يشهدون حياة بعد الموت، ويرفضون فكرة الإيمان بالله لأنهم لا يرونه، ويرفضون فكرة الإسلام كله، لأنه غيبي لا يخضع للتجربة، ويرفضون فكرة الدين كله لأنه مخدر للشعوب. بل يدرسون تاريخ العالم كله، على أن الدين مرتبط بالظلم البشري، ولن يحررهم في واقعهم اليوم. ولن يحقق لهم سعادتهم لأنه يحرم شهواتهم بلا مقابل. هذه المفاهيم العقائدية التي يطرحها الفكر المادي العلماني في وجه الدعاة إلى الله، يجب أن لا تفت في عضدهم، ولا تثني عزائمهم عن الصبر على المناظرة والاستمرار في الحوار، والتركيز على أن القضية أصلا هي قضية إيمان وكفر. وأنها محور الافتراق بين الفريقين.