لعل هذا النص هو من أجمع النصوص التي طرحت القضايا الكبرى التي تم التفاوض عليها بين قيادة مكة وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. خاصة وأن الذين اشتركوا في المفاوضات يمثلون كل زعامة مكة وقياداتها بلا استثناء.
فالمطالب تمثل إجماعا من هذه القيادة، وتمثل وجهة نظرهم، وإن المرء ليأسى أن يجد هذا التفكير وقد انعقد عليه إجماعهم. وإن تلخيص عبد الله بن أبي أمية لهذه القضايا هو الذي نعتمده للمناقشة:
أولا: الأمور العامة، المال والسيادة والملك.
ولم يلجأ إليها القرشيون إلا بعد أن سدت عليهم المنافذ بإسلام عمر والحمزة رضي الله عنهما ووجدوا خطر المسلمين قد استفحل، وأصبح المسلمون يدعون لله جهارا، ويعبدون الله جهارا. فعقد هذا المؤتمر الاستثنائي - إن صح التعبير - لإنهاء المشكلة مع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرسلوا وراءه ليحضر.
إن العدو عندما يشتد عليه الضغط والإكراه يلجأ إلى العروض المغرية أما في الأحوال العادية فلا يعبأ بالدعاة والدعوة، بل يستعمل أسلوب الاستهزاء والسخرية والإيداء، ولقد فشلت هذه المحاولات جميعا، وتقدم المد الإسلامي بدخول أضخم شخصيتين في صف محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمام تعاظم هذا المد بدأت قريش أساليب الإغراء مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وهذه هي عقلية الجاهلية التي لا تعرف قيما في هذه الأرض إلا هذه القيم. لأنها في الأصل لا تسعى إلا لذلك، وتحسب أن الدعاة إلى الله مثلها قيما ومبادىء. إن ملة الكفر ورجالاتها، ولو طرحوا ألف مبدأ فهو ستار في الحقيقة للوصول إلى المال والملك والسلطان والسيادة، وفي جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقادة الكفر درس خالد إلى الأبد يحتذيه الدعاة إلى الله، ويتخذونه موقفا ثابتا لأنه دين عندهم، وليس فلتة عابرة.
ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم وليست هذه الأمور إذن محل نظر أو دراسة من الحركة الإسلامية، لقد