رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بأنه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكون لقوله الذي سمعت نبأ عظيم. فإن تصبه العرب كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله - صلى الله عليه وسلم -اأبا الوليد بلسانه.
قال: هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم (١)).
لا ندري إن كان هذا الحادث قبل المفاوصات السابقة أو بعده، ولكن الذي يعنينا من الأمر أدب الحوار. وكيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس يستمع لهذه العروض الهزيلة - بله السخيفة - من عتبة بن ربيعة ولم يقاطعه في حديثه، ولم يشمئز من كلامه بل أكثر من ذلك يفسح له المجال للمتابعة كي يفرغ كل ما في جعبته، ثم يسأله أو قد فرغت؟ ويخاطبه بقوله (يا أبا الوليد).
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحترم خصمه، ويتكلم معه بأدب بالغ، وتقدير جم ويكنيه بكنيته. وبذلك يعلمنا أدب الحوار. وأهم نقطة فيه أن يتسع صدرنا لاستماع وجهة نظر الخصم، مهما كانت وجهة النظر هذه مرفوضة أو مقبولة عندنا، سامية أو منحطة لأننا بذلك نضمن أن يستمع خصمنا لنا، ويتسع صدره لوجهة نظرنا. وما لم نملك هذه الخاصية الهامة، فلن نربح الحوار مع عدونا.