للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كانت الخطوة الثانية في المفاوضات تلاوة صدر سورة (فضلت) وهي التي تتناول وضع هؤلاء المشركين وموقفهم من الإسلام، ثم تعرض عقيدة الإسلام - والتوحيد أهم عنصر من عناصرها، ثم الحديث عن قدرة الله تعالى الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام. ثم الإنذار بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. حيث انتهى الأمر بعتبة أن ناشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالله والرحم أن يكف فكف.

صحيح أن عتبة بن ربيعة لم يسلم لكنه هزم نفسيا أمام نصاعة الدعوة وبلاغة القرآن. ومن أجل هذا جاء يعلن أمام قومه .. سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر ولا بالكهانة .. هذا ما عبر به عن إعجابه وذهوله. ثم الدعوة إلى موقف إيجابي من الدعوة:

(أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ عظيم، فإن تصبه العرب كفيتموه بغيركم.

وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به):

إنها دعوة قريش كلها لإيقاف الحرب ضد محمد - صلى الله عليه وسلم -. مع المبررات الكاملة لذلك وترفض قريش الموقف وتتهم عتبة بأن محمدا سحره. وأمام هذا العداء المستحكم والموقف العنيف معه، أعلن موقفه الصريح: هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم. وانسحب عتبة بن ربيعة من المعركة ضد محمد - صلى الله عليه وسلم -. وانسحب وراءه أكبر تجمع قبلي بعد بني مخزوم هو بنو أمية. واستطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحيد عتبة وبني أمية ويخفف من تكالب الأعداء على دعوة الإسلام.

إن مهمة القيادة الإسلامية وهي تخوض الحرب ضد أعداء الإسلام أن تخذل عنها ما استطاعت، أن تمزق العنف الكافر، أن تفتت وحدة صف العدو. فتحيد من تستطيع تحييده، وتضم إلى صفها من تستطيع ضمه، وأن تثير الشكوك والخلافات بين الكافرين. ولا يعتبر هذا وهنا في الدين، ولا مهادنة في دين الله، ولا تساهلا على حساب العقيدة. بل هو عمق سياسي، ونضج دعوي. ما أحرى القواعد أن تفقهه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وتنضبط

<<  <  ج: ص:  >  >>